للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما ما أخرج أحمد في "مسنده" عَن حذيفة -رضي اللَّه عنه-، عَن النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قَالَ: "فضل الدار القريبة من المسجد عَلَى الدار الشاسعة كفضل الغازي على القاعد"، فهو حديث ضعيف؛ لضعفه وانقطاعه، فإن الراوي عن حذيفة -رضي اللَّه عنه- وهو علي بن يزيد الألهانيّ الدمشقيّ، ضعيفٌ، بل قال البخاريّ: منكر الحديث، وقال النسائيّ: متروك الحديث، وقال في روايته، أنه بلغه عن حذيفة، فلا يصلح للاحتجاج به، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

٥ - (ومنها): أنه اختُلِف فيمن كانت داره قريبةً من المسجد، فقارب الخطا بحيث تساوى خطا مَن داره بعيدة، هل يساويه في الفضل أو لا؟، وإلى المساواة جَنَح الطبريّ، ورَوَى ابن أبي شيبة من طريق أنس، قال: مشيت مع زيد بن ثابت إلى المسجد، فقارب بين الخطا، وقال: أردت أن تكثر خطانا إلى المسجد.

قال في "الفتح": وهذا لا يلزم منه المساواة في الفضل، وإن دلّ على أن في كثرة الخطا فضيلةً؛ لأن ثواب الخطا الشاقّة ليس كثواب الخطا السهلة، وهو ظاهر حديث أبي موسى الأشعريّ -رضي اللَّه عنه- المذكور أول الباب حيث جعل أبعدهم ممشى أعظمهم أجرًا. انتهى، وهو تحقيقٌ حسنٌ، واللَّه تعالى أعلم.

٦ - (ومنها): أن بعضهم استنبط منه استحباب قصد المسجد البعيد، ولو كان بجنبه مسجد قريب، وإنما يتمّ ذلك إذا لم يلزم من ذهابه إلى البعيد هجر القريب، وإلا فإحياؤه بذكر اللَّه أولى، وكذا إذا كان في البعيد مانع من الكمال، كأن يكون إمامه مبتدعًا، قاله في "الفتح".

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الاستنباط يردّه ما أخرجه الطبرانيّ من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- مرفوعًا: "ليُصلّ أحدكم في مسجده، ولا يتتبّع المساجد"، وهو حديث صحيح، فلا يستحبّ الذهاب إلى المسجد الأبعد، إلا لحاجة، كما قدّمنا تحقيقه، قريبًا.

وقد استنبط القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عكس الاستنباط المذكور، فقال: وهذا الحديث، والأحاديث التي قبله تدلّ على أن البعد من المسجد أفضل، فلو كان بجوار مسجد، فهل له أن يجاوزه للأبعد؟ اختُلِف فيه، فرُوي عن أنس -رضي اللَّه عنه- أنه كان يُجاوز الْمُحْدَثَ إلى القديم، ورُوي عن غيره أنه قال: الأبعدُ، فالأبعدُ من