للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جميع الذنوب كبائرها وصغائرها، وليس الأمر كذلك؛ لاشتراطه في الحديث المتقدّم اجتناب الكبائر، فدَلّ ذلك على أن المكفَّر بالصلوات هي جميع الصغائر -إن شاء اللَّه- وقد تقدّم القول في ذلك في "كتاب الإيمان" (١). انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- حسنٌ جدًّا، وحاصله أن المطلق هنا ينبغي أن يُحمل على ما سبق من الأحاديث من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصلواتُ الخمسُ، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّرات ما بينهنّ إذا اجْتُنِبَتِ الكبائرُ"، فتكفير الصلوات الخمس المطلق هنا يُحمل على هذا المُقَيَّدِ، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

وقال ابن بزيزة في "شرح الأحكام": يتوجه على حديث العلاء إشكال يَصْعُبُ التخلُّصُ منه، وذلك أن الصغائر بنصّ القرآن مُكَفَّرة باجتناب الكبائر، وإذا كان كذلك فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟. انتهى.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد أجاب شيخنا الإمام البُلْقِينِيُّ بأن السؤال غير وارد؛ لأن مراد اللَّه "إن تجتنبوا" أي في جميع العمر، ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو التكليف إلى الموت، والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تُكَفِّرُ ما بينها، أي في يومها إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم، فعلى هذا لا تعارُض بين الآية والحديث. انتهى.

وعلى تقدير ورود السؤال فالتخلُّص منه -بحمد اللَّه- سهل، وذلك أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس، فمن لم يفعلها لم يُعَدَّ مجتنبًا للكبائر؛ لأن تركها من الكبائر، فوقف التكفير على فعلها، واللَّه أعلم.

وقد فَصَّل البلقينيّ أحوال الإنسان بالنسبة إلى ما يَصْدُر منه من صغيرة وكبيرة؛ فقال: تنحصر في خمسة:

[أحدها]: أن لا يصدر منه شيء البتة، فهذا يُعَاوَضُ برفع الدرجات.


(١) هكذا وقع في النسخة: في "كتاب الإيمان"، والظاهر أنه غلط، والصواب في "كتاب الطهارة"، فتنبّه.
(٢) "المفهم" ٢/ ٢٩٤.