للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[ثانيها]: أن يأتي بصغائر بلا إصرار، فهذا تُكَفَّرُ عنه جزمًا.

[ثالثها]: مثله لكن مع الإصرار، فلا تكفَّر، إذا قلنا: إن الإصرار على الصغائر كبيرة.

[رابعها]: أن يأتي بكبيرة واحدة وصغائر.

[خامسها]: أن يأتي بكبائر وصغائر، وهذا فيه نظرٌ، يَحْتَمِل إذا لم يجتنب الكبائر أن لا تكفِّر الكبائر، بل تكفِّر الصغائر، ويَحْتَمِل أن لا تكفِّر شيئًا أصلًا، والثاني أرجح؛ لأن مفهوم المخالفة إذا لم تتعين جهته لا يُعْمَل به، فهنا لا تكفِّر شيئًا، إما لاختلاط الكبائر والصغائر، أو لتمحُّض الكبائر، أو تكفِّر الصغائر، فلم تتعين جهة مفهوم المخالفة، لِدَوَرَانه بين الفصلين، فلا يُعْمَل به، ويؤيده أن مقتضى تجنب الكبائر، ومقتضى "ما اجتنبت الكبائر" أن لا كبائر، فيُصَانُ الحديثُ عنه. انتهى (١).

وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عند قوله: "يمحو اللَّه بهن الخطايا"- ما نصه: خصّها العلماء بالصغائر، ولا يَخْفَى أنه بحسب الظاهر لا يناسب التشبيه بالنهر في إزالة الدَّرَن؛ إذِ النَّهرُ المذكور لا يُبْقِي من الدرن شيئًا أصلًا، وعلى تقدير أن يُبْقِي فإبقاء القليل والصغير أقرب من إبقاء الكثير الكبير، فاعتبار بقاء الكبائر وارتفاع الصغائر قلب لما هو المعقول نظرًا إلى التشبيه، فلعلّ ما ذكروا من التخصيص مبنيّ على أن للصغائر تأثيرًا في درن الظاهر فقط، كما يدلّ عليه ما ورد من خروج الصغائر من الأعضاء عند الوضوء بالماء بخلاف الكبائر؛ فإن لها تأثيرًا في دَرَنِ الباطن، كما جاء أن العبد إذا ارتكب المعصية تحصل في قلبه نقطةٌ سوداءُ، ونحو ذلك، وقد قال اللَّه تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)} [المطففين: ١٤]، وقد عُلِمَ أنَّ أثَرَ الكبائر تُذْهِبُهَا التوبةُ التي هي الندامة بالقلب، فكما أن الغسل إنما يَذهَب بدرن الظاهر دون الباطن فكذلك الصلاة، فتفكر. انتهى كلام السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢)، وهو بحثٌ مفيدٌ، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "فتح الباري" ٢/ ١٦.
(٢) "شرح النسائيّ" للسنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ١/ ٢٣١.