قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد أجاد القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في الرد على هذا القول، فإنه مردودٌ، وتأويل الحديث على الوجه الذي ذكره، من حمل تحدّثهم في أمر الجاهليّة على غير ذلك الوقت باطلٌ، يُبطله سياق الحديث، ولا سيّما سياق النسائيّ، ولفظه:"كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صلى الفجر، جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، فيتحدث أصحابه، يذكرون حديث الجاهلية. . . " الحديث، فتعبيره بالفاء في قوله:"فيتحدّثون. . . إلخ" يبطل هذا التأويل فتأمّله بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
٢ - (ومنها): بيان فضل ما بعد صلاة الصبح من الوقت، حيث كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يخصّه بذكر اللَّه تعالى.
٣ - (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من مكارم الأخلاق، ولين جانبه، حيث كان يجالس أصحابه، ويستمع إلى حديثهم وحكاياتهم التي كانوا يفعلونها في جاهليّتهم، ويتبسّم منها، وهذا مصداق قول عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤]، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}[آل عمران: ١٥٩] الآية.
٤ - (ومنها): ما كان عليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من امتلاء قلبه من جلال اللَّه عزَّ وجلَّ، والخوف منه، ولذا كان لا يستغرق في الضحك، بل كان ضحكه التبسّمَ، كما قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-، فقد أخرج الشيخان عنها أنها قالت:"ما رأيت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مستجمعًا قطّ ضاحكًا، حتى أرى منه لَهَوَاتِهِ إنما كان يتبسم"، وفي رواية عنها: قالت: ما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضاحكًا حتى أرى منه لَهَوَاته، إنما كان يتبسم، قالت: وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا، عُرِف في وجهه، قالت: يا رسول اللَّه، إن الناس إذا رأوا الغيم فَرِحُوا؛ رَجَاءَ أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرِف في وجهك الكراهية؟ فقال:"يا عائشة، ما يُؤَمِّنِّي أن يكون فيه عذابٌ، عُذِّبَ قومٌ بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا:{هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}[الأحقاف: ٢٤] ".
٥ - (ومنها): جواز الحديث، وذكر أيام الجاهلية في المسجد.
٦ - (ومنها): جواز إنشاد الشعر المباح في المسجد، وقد أخرج الشيخان، عن سعيد بن المسيِّب، قال: مَرّ عمر في المسجد، وحسان يُنْشِدُ، فقال: كنت أُنشِد فيه، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: