(٤٠٨)، و (ابن خزيمة) في "صحيحه"(١٢٩٣)، و (ابن حبّان) في "صحيحه"(١٦٠٠)، و (أبو عوانة) في "مسنده"(١١٥٥)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه"(١٥٠٠)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٣/ ٦٥)، و (البغويّ) في "شرح السنّة"(٤٦٠)، واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان أحبّ البلاد إلى اللَّه تعالى، وهي المساجد، وأبغضها، وهي الأسواق، قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنما كانت المساجد أحبّ البلاد إلى اللَّه؛ لما خُصّت به من العبادات والأذكار، واجتماع المؤمنين، وظهور شعائر الدين، وحضور الملائكة، وإنما كانت الأسواق أبغض البلاد إلى اللَّه تعالى؛ لأنها مخصوصة بطلب الديْن، ومطالبِ العباد، والإعراض عن ذكر اللَّه، ولأنها مكان الأيمان الفاجرة، وهي معركة الشيطان، وبها يَرْكُز رايته. انتهى (١).
٢ - (ومنها): أن فيه تنبيهًا على تفاوت البقاع في الخير والشرّ، فبعضها يكون مجلبةً للخير، ومعينًا عليه، كالمساجد، وبعضها يكون مجلبة للشرّ، وداعيًا إليه، كالأسواق، وعلى ذلك يدلّ قصّة الرجل الذي قَتَل تسعة وتسعين نفسًا، ثم سأل راهبًا هل من توبة؟ فقال: لا، فقتله، وكَمَّل به المائة، ثم سأل عالمًا هل له من توبة؟، فقال له: نعم، ائت قرية كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون اللَّه، فاعبد معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء. . . الحديث، وهو في "الصحيحين" وغيرهما، فقد أرشد هذا العالمُ الرجلَ على أن أرضه أرض سوء تدعوه إلى الشرّ، فلا بدّ من مفارقتها إلى أرض فيها قوم صالحون حتى تكمل توبته، ويكون صالحًا مثلهم.
قال في "الفتح" معلّقًا على هذا الحديث: فيه فضلُ التحوّل من الأرض التي يُصيب الإنسان فيها المعصية؛ لِمَا يغلب بحكم العادة على مثل ذلك، إما لتذكّره لأفعاله الصادرة قبل ذلك، والفتنة بها، وإما لوجود من كان يُعينه على ذلك، ويحضّه عليه.
وقال -رَحِمَهُ اللَّهُ- أيضًا: وفيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي