للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القوم أقرؤهم، بدليل حديث عمرو بن سَلِمَةَ عند البخاريّ: "ليؤمكم أكثركم قرآنًا".

يعني أنه يجب أن يُقَدَّم الأقرأ لكتاب اللَّه تعالى في الصلاة بالناس على غيره.

وقد اختُلِف في المراد من الأقرأ، فقيل: المراد أحسنهم قراءة، وأعلمهم بأحكامها، وإن كان أقلهم حفظًا، وقيل: أكثرهم حفظًا للقرآن، ويدلّ عليه حديث عمرو بن سَلِمة المذكور، وقيل: المراد به الأفقه؛ لأنك إذا اعتَبَرت أحوالَ الصحابة وجدت أن أفقههم أقرؤهم، فيكون المراد من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أقرؤهم لكتاب اللَّه"، أي أعلمهم به.

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: عندي الأرجح تفسيره بالأكثر حفظًا للقرآن؛ لحديث عمرو بن سلِمة -رضي اللَّه عنه-؛ فإن خيرَ ما فُسِّر به الحديث ما جاء في حديث آخر، كما قال في "ألفية الحديث":

وَخَيْرُهُ مَا جَاءَ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ … عَنِ الصَّحَابِيّ وَرَاوٍ قَدْ حَكَوَا

واللَّه تعالى أعلم.

وقال الإمام الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا هو الصحيح المستقيم في الترتيب، وذلك أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل مِلاك الإمامة القراءة، وجعلها مُقَدَّمةً على سائر الخصال المذكورة معها، والمعنى في ذلك أنهم كانوا قومًا أُمِّيين، لا يقرؤون، فمن تَعَلَّم منهم شيئًا من القرآن كان أحق بالإمامة ممن لم يتعلم؛ لأنه لا صلاة إلا بقراءة، وإذا كانت القراءة من ضرورة الصلاة، وكانت ركنًا من أركانها صارت مقدمة في الترتيب على الأشياء الخارجة عنها.

ثم تلا القراءة العلم بالسنّة، وهي الفقه، ومعرفة أحكام الصلاة، وما سَنَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها، وبيّنه من أمرها، فإن الإمام إذا كان جاهلًا بأحكام الصلاة، وبما يَعْرِض فيها من سهو، ويقع من زيادة ونقصان أفسدها، وأخدجها، فكان العالم بها، والفقحِه فيها مُقَدَّمًا على من لم يَجْمَع علمها، ولم يعرف أحكامها.

ومعرفةُ السنّة، وإن كانت مؤخَّرة في الذكر، وكانت القراءة مبدوءًا بذكرها، فإن الفقيه العالم بالسنّة إذا كان يقرأ من القرآن ما تجوز به الصلاة