أحقّ بالإمامة من الماهر بالقراءة إذا كان متخلفًا عن درجته في علم الفقه، ومعرفة السنّة.
وإنما قُدم القاوئ في الذكر؛ لأن عامة الصحابة إذا اعتَبَرْتَ أحوالَهُم وجدت أقرأهم أفقههم.
وقال ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: كان أحدنا إذا حفظ سورة من القرآن لم يَخْرُج عنها إلى غيرها حتى يُحكِم علمها، أو يَعْرِف حلالها وحرامها، أو كما قال.
فأما غيرهم ممن تأخر بهم الزمان، فإن أكثرهم يقرؤون القرآن، ولا يفقهون، فقراؤهم كثير، والفقهاء منهم قليل. انتهى كلام الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليل من يقول بتقديم الأقرأ على الأفقه، وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد، وبعض أصحابنا، وقال مالك، والشافعيّ، وأصحابهما: الأفقه مُقَدَّمٌ على الأقرأ؛ لأن الذي يُحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يُحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يَعْرِض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه، قالوا: ولهذا قدم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا بكر -رضي اللَّه عنه- في الصلاة على الباقين، مع أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَصَّ على أن غيره أقرأ منه.
وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه، لكن في قوله:"فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعلمهم بالسنَّة" دليل على تقديم الأقرأ مطلقًا.
قال: ولنا وَجْهٌ اختاره جماعة من أصحابنا، أن الأورع مُقَدَّم على الأفقه والأقرأ؛ لأن مقصود الإمامة يحصل من الأورع أكثر من غيره. انتهى كلام النوويّ (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي اختاروه من تقديم الأورع على الأقرأ قول مخالف لهذا الحديث الصحيح الصريح، فلا ينبغي الالتفات إليه، فالحقّ ما ذهب إليه الإمامان: أبو حنيفة وأحمد -رحمهما اللَّه تعالى- من تقديم الأقرأ مطلقًا، وسيأتي تحقيق ذلك بدليله في المسألة الرابعة -إن شاء اللَّه تعالى-.
(فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً)"سواءً" خبر "كان" بمعنى مُسْتَوِين، أي إن