للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

استووا في القدر المعتبر من القراءة؛ إما في حسنها، أو في كثرتها وقلتها على القولين.

(فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) أي فيؤم أكثرهم علمًا بالسنَّة، قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حملوها على أحكام الصلاة. انتهى.

وقال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه أن مزية العلم مقدَّمةٌ على غيرها من المزايا الدينية.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أراد بها الأحاديث، فالأعلم بها كان أفقه في عهد الصحابة. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قوله: "في عهد الصحابة" فيه نظرٌ؛ إذ الأعلم بالأحاديث هو الأفقه على الإطلاق في عهدهم وبعد عهدهم، فإن الفقه هو فهم الأحكام الشرعية التي أنزلها اللَّه تعالى في كتابه، والأحاديثُ هي الْمُبَيِّنة لمعاني الكتاب، كما قال اللَّه تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] فأهل الحديث هم الأفقهون، ولا التفات إلى ما يُهَوِّش به أعداء السنّة من تهوين أمر الحديث، وتخذيلهم الأغبياء عن الاهتمام بالحديث، وكأن الحديث عندهم ليس مصدرًا للفقه {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: ١٦].

(فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقدَمُهُمْ هِجْرَةً) عطف على "أعلمهم بالسنّة"، والفاء للترتيب، أي يؤم القوم أقدمهم في الهجرة، يعني أن الأسبق في الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، يكون أولى بالإمامة ممن تأخر في ذلك.

وإنما قُدِّمَ؛ إما لأن القِدَم في الهجرة شرفٌ يقتضي التقديم، أو لأن من تقدمت هجرته لا يخلو غالبًا عن كثرة العلم بالنسبة إلى من تأخر، قاله السنديّ.

ثم إن الهجرة المقدَّم بها في الإمامة لا تختص بالهجرة في عصره -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل هي التي لا تنقطع إلى يوم القيامة، كما وردت بذلك الأحاديث، وقال به الجمهور، وأما حديث: "لا هجرة بعد الفتح"، متّفقٌ عليه، فالمراد به الهجرة من مكة إلى المدينة، أو لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح، وهذا لا بُدّ منه للجمع بين الأحاديث، قاله الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال أصحابنا -يعني الشافعية-: يدخل فيه طائفتان: