[أحدهما]: الذين يهاجرون اليوم من دار الكفر إلى دار الإسلام، فإن الهجرة باقية إلى يوم القيامة عندنا، وعند جمهور العلماء، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا هجرة بعد الفتح"؛ أي لا هجرة من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، أو لا هجرة فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح.
[الطائفة الثانية]: أولاد المهاجرين إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا استوى اثنان في الفقه والقراءة، وأحدهما من أولاد من تقدمت هجرته، والآخر من أولاد من تأخرت هجرته قدم الأول. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: وفي الاستدلال بحديث الباب على الطائفة الثانية بُعْد لا يخفى، فتأمّله بإنصاف.
وقال بعضهم: المعتبر اليوم الهجرة المعنوية، وهي هجرة المعاصي، فيكون الأورع أولى. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: تخصيصه باليوم فيه نظرٌ، بل الظاهر حمل الحديث على ما يعم الهجرتين مطلقًا، في أيّ زمن كان؛ لأن هجرة المعاصي هي الهجرة الحقيقية؛ لحديث عبد اللَّه بن عمرو بالمتفق عليه مرفوعًا:"والمهاجر من هجر ما نهى اللَّه عنه".
فيكون المعنى أنه يُقَدَّم في الإمامة من كان أسبق للَّهجرة، أي الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، أو أسبق لهجران المعاصي على من تأخر في ذلك، واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه]: في رواية مسلم هنا تقديم الأعلم بالسنّة على الأقدم في الهجرة، وقد ساقه من رواية أبي خالد الأحمر، عن الأعمش، ثم من رواية أبي معاوية، وجرير، وابن فضيل، وسفيان كلهم عن الأعمش، وهكذا عند أبي داود، والترمذيّ، وأحمد في "مسنده"، وابن خزيمة في "صحيحه".
وقع عند النسائيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في "المجتبى"(٣/ ٧٨٠)، وفي "الكبرى"(٣/ ٨٥٥) من رواية فضيل بن عياض، عن الأعمش، تقديم الأقدم في الهجرة على الأعلم بالسنّة.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: الذي يظهر لي أن ما وقع عند النسائيّ خطأ، والصواب ما عند هؤلاء، لاتفاق هؤلاء الحفاظ عليه، ومخالفة فضيل لهم،