للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد حقّقت ذلك في "شرح النسائيّ" فراجعه (١) تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.

(فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا) -بكسر السين المهملة، وسكون اللام- أي إسلامًا، وهذا لفضيلة السبق إلى الإسلام، كما قال اللَّه تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١)} [الواقعة: ١٠ - ١١]، وفي رواية الأشجّ: "سِنًّا" مكان "سِلْمًا"، يعني أنه إن استوى القوم في الهجرة، فيؤمهم أقدمهم إسلامًا، أو أكبرهم سِنًّا.

قال في "النيل": أي يقدَّم في الإمامة من كبر سنه في الإسلام؛ لأن تلك فضيلة يُرَجَّح بها، وجعل البَغَويّ أولاد من تقدّم إسلامه أولى من أولاد من تأخر إسلامه، والحديث لا يدل عليه. انتهى (٢).

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد روي عن الزهريّ في هذا الحديث: "فإن استووا في القراءة، فأفقههم في دين اللَّه، فإن كانوا في الفقه سواءً، فأكبرهم سنًّا، فإن كانوا في السنّ سواءً، فأصبحهم وجهًا، فإن كانوا في الصباحة والحسن سواءً، فأكثرهم حسبًا". انتهى (٣).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي روي عن الزهريّ مما لا دليل عليه، فإن التقديم بحسن الوجه وشرف الحسب، مما لم يرد في النصّ أصلًا، ومما يُتعجّب منه أن في كتب الفقهاء قد يوردون في هذا الترتيب أشياء لم يُنزل اللَّه تعالى بها من سلطان.

فعلى سبيل المثال استمع إلى ما كتبه صاحب "الدرّ المختار" وهو من أشهر كتب الفقه الحنفيّ، حيث قال بعد ذكر الأعلم، والأحسن تلاوة، والأورع: ثم الأحسنُ خُلُقًا، ثم الأحسن وجهًا، ثم الأشرف نسبًا، ثم الأحسن صوتًا، ثم الأحسن زوجةً، ثم الأكثر مالًا، ثم الأكثر جاهًا، ثم الأنظف ثوبًا، ثم الأكبر رأسًا، والأصغر عضوًا (٤)، يعني ذَكرًا، إلى آخر كلامه.


(١) راجع: "ذخيرة العقبى" ٩/ ٣٤٦ - ٣٤٧.
(٢) "نيل الأوطار" ٤/ ٥٤.
(٣) "إكمال المعلم" ٢/ ٦٥٢ - ٦٥٣.
(٤) راجع: "الدرّ المختار" مع حاشيته "ردّ المحتار" ٢/ ٢٩٤ - ٢٩٦.