انظر إلى ماذا وصل بهم الجهل بالسنّة، والبعد عن اتباعها، ودراسة كتبها، أو التجاهل بها، أو التقليد الأعمى لكلّ ذي هوى، فلا حول ولا قوّة إلا باللَّه، فهل يصدر من أيّ عاقل فضلًا عن أهل العلم أن يسأل الحاضرين مَن أصغر منكم ذكرًا؟، حتى يؤمّنا، أو يقول لشخص إنك أكبر ذكرًا من الحاضرين فلا تؤمهم، إن هذه لهي الْوَقَاحة، بل هو ذهاب الحياء والمروءة بالكليّة، ولا حول ولا قوّة إلا باللَّه، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، اللهم أرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللهم آمين.
(وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ)"لا" ناهية، والفعل مبنيّ؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وهو مبنيّ للفاعل، و"الرجل" الأول مرفوع على الفاعليّة، والثاني منصوب على المفعولية، وفي رواية شعبة، عن إسماعيل بن رجاء الآتية:"ولا تؤمَّنَّ الرجل في أهله، ولا في لسُلطانه"، وفي رواية الترمذيّ، والنسائيّ رحمهما اللَّه: من طريق شعبة، عن إسماعيل أيضًا:"ولا يُؤَمُّ الرجلُ في سلطانه، ولا يُجلَسُ على تكرمته"، بالبناء للمفعول (فِي سُلْطَانِهِ) قال التوربشتيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: السلاطة: التمكّن من القهر، وهو من التسلّط، ومنه السلطان، والسلطان يقال في السلاطة، ولذي السلاطة، والمراد الأول، والمعنى: لا يؤمنّ الرجلُ الرجلَ في محلّ ولايته، ومظهر سلطانه، أو فيما يملكه، أو في محل يكون في حكمه، وَيعْضِد هذا التأويل الرواية الأخرى:"في أهله"، وفي رواية أبي داود:"في بيته، ولا في سلطانه"، ولذا كان ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- يصلي خلف الحجاج، وصحّ عن ابن عمر أن إمام المسجد مقدم على غير السلطان.
وتحريره أن الجماعة شُرِعت لاجتماع المؤمنين على الطاعة، وتآلفهم، وتوادّهم، فإذا أمَّ الرجل الرجل في سلطانه أفضى ذلك إلى توهين أمر السلطنة، وخلع رِبْقَة الطاعة، وكذلك إذا أمّه في قومه وأهله أدّى ذلك إلى التباغض، والتقاطع، وظهور الخلاف الذي شُرع لدفعه الاجتماع، فلا يتقدم رجل على ذي السلطنة، لا سيما في الأعياد والجمعات، ولا على إمام الحيّ، ورب البيت إلا بالإذن. انتهى (١).