للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إمامة الأعمى والبصير سواء في عدم الكراهة؛ لأن في كل منهما فضيلة، غير أن إمامة البصير أفضل؛ لأن أكثر من جعله النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إمامًا البصراء.

وأما استنابته -صلى اللَّه عليه وسلم- لابن أم مكتوم -رضي اللَّه عنه- في غزاته؛ فلأنه كان لا يتخلف عن الغزو من المؤمنين إلا معذور، فلعله لم يكن في البصراء المتخلفين من يقوم مقامه، أو لم يتفرغ لذلك، أو استخلفه لبيان الجواز.

وأما إمامة عتبان بن مالك -رضي اللَّه عنه- لقومه فلعله أيضًا لم يكن في قومه من هو في مثل حاله من البصراء. انتهى (١).

وقال في "المنهل": وإلى أولوية البصير بالإمامة ذهبت الحنفية، والحنابلة، والمالكية؛ قالوا: لأنه أقدر على اجتناب النجاسة، واستقبال القبلة باجتهاده، وهذا هو الأرجح.

أما استنابته -صلى اللَّه عليه وسلم- لابن أم مكتوم، فلعدم وجود من يصلح للإمامة بالمدينة غيره إذ ذاك.

ولا يرد وجود عليّ -رضي اللَّه عنه- في المدينة حين استخلف النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ابن أم مكتوم؛ لأن عليًا -رضي اللَّه عنه- كان مشغولًا بالقيام بحفظ من جعله -صلى اللَّه عليه وسلم- حافظًا لهم، من الأهل، حذرًا من أن ينالهم عدو بمكروه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: عندي الأرجح قولُ مَن قال: إن إمامة الأعمى والبصير سواء، وإنما يرجح أحدهما على الآخر بالمرجِّح الذي تقدم في قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللَّه، فإن استووا فأعلمهم بالسنّة، فإن استووا فأقدمهم هجرة، فإن استووا فأقدمهم سنًّا"، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال:

[١٥٣٤] (. . .) - (حَدَّثَنَا (٣) أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ (ح) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ (ح) وَحَدَّثَنَا الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ (ح) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ).


(١) "نيل الأوطار" ٤/ ٥٨.
(٢) "المنهل العذب المورود" ٤/ ٣١٨.
(٣) وفي نسخة: "وحدّثنا"، وفي أخرى: "وحدّثناه".