للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم أخرج بسنده حديثَ محمود بن الربيع، أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه، وهو أعمى، وقد تقدّم. وأخرج عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه أمّهم في ثوب واحد، وهو أعمى على بساط قد طبق البيت.

وأخرج عن الزهري، أنه قال: كان رجال من أهل بدر أصيبت أبصارهم يؤمُّون.

وهو قول القاسم بن محمد، والشعبيّ، وإبراهيم النخعيّ، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وهو قول مالك بن أنس، وسفيان الثوريّ، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.

وقد رَوَينا عن ابن عباس خلاف القول الأول، فأخرج عن سعيد بن جبير، أنه قال: قال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: كيف أؤمهم، وهم يعدلوني إلى القبلة؟ - حين عمي.

وأخرج عن زياد النميري، أنه أتى أنس بن مالك قال: قلت: ما تقول في الرجل الضرير يؤم أصحابه؟ قال: وما حاجتهم إليه؟.

قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إمامة الأعمى كإمامة البصير، لا فرق بينهما، وهما داخلان في ظاهر قول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللَّه"، فأيهم كان أقرأ كان أحق بالإمامة.

وقد رَوَينا عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه حديثًا، ثم أخرج بسنده عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- استخلف ابن أم مكتوم على المدينة، يصلي بالناس.

قال: وإباحة إمامة الأعمى كالإجماع من أهل العلم، وقد روينا عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه أمّهم، وهو أعمى، وليس قول أنس بن مالك: وما حاجتهم إليه؟ نهيًا عن إمامة الأعمى، فيكون اختلافًا. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

ونقل العلامة الشوكانيّ: أنه قد صرح أبو إسحاق المروزيّ، والغزاليّ بأن إمامة الأعمى أفضل من إمامة البصير؛ لأنه أكثر خشوعًا من البصير، لما في البصير من شغل القلب بالمبصرات، ورجّح بعضهم كون إمامة البصير أولى؛ لأنه أشدّ توقيًا للنجاسة، والذي فهمه المارديني من نص الشافعيّ: أن


(١) "الأوسط" ٤/ ١٥٢ - ١٥٤.