للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي اختاره ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- من جواز إمامة الصبيّ المميز إذا كان عالمًا بأحكام الصلاة هو المختار؛ لقوة دليله، وإمامة عمرو بن سَلِمة أوضح دليل عليه.

وأما ما قيل: إنه ليس فيه اطلاع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأجيب بأن إمامته بهم كانت في حال نزول الوحي، ولا يقع في حاله التقرير لأحد من الصحابة على الخطأ، ولذا استدلّ أبو سعيد الخدريّ، وجابر -رضي اللَّه عنهما- على جواز العزل بمثل ذلك، فقالا: "كنا نعزل، والقرآن ينزل".

قال العلامة الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد قيل: إن حديث عمرو المذكور كان في نافلة لا فريضة.

وردّ بأن قوله: "صلوا صلاة كذا في حين كذا"، يدل على أن ذلك كان في فريضة، وأيضًا قوله: "فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم"، لا يَحْتَمِل غير الفريضة؛ لأن النافلة لا يُشْرَع لها الأذان.

ومن جملة ما أجيب به عن حديث عمرو المذكور ما رُوي عن أحمد بن حنبل أنه كان يُضَعِّف أمر عمرو بن سَلِمة، رَوَى ذلك عنه الخطابي في "المعالم"، ورُدّ بأن عمرو بن سلمة صحابيّ مشهور، قال في "التقريب": صحابيّ صغير نزل البصرة، وقد رُوي ما يدل على أنه وفد على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وأما القدح في الحديث بأن فيه كشف العورة في الصلاة، وهو لا يجوز، فهو من الغرائب، وقد ثبت أن الرجال كانوا يصلون عاقدي أزرهم، ويقال للنساء: لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسًا. زاد أبو داود: "من ضيق الأزر". انتهى.

والحاصل أن المذهب الراجح هو جواز إمامة الغلام المميز؛ لوضوح حجّته، كما سبق تقريره آنفًا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في إمامة الأعمى:

قال الإمام أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختلفوا في إمامة الأعمى، فقال كثير منهم: يؤم الأعمى.

فممن كان يؤم، وهو أعمى: ابن عباس، وعتبان بن مالك، وقتادة.