للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مسعود -رضي اللَّه عنه-، وهو وَهَمٌ، فقوله: "فأجدبوا سبعًا" ليس ذلك في واحد من "الصحيحين"، وليس بصحيح أيضًا، فإنه كُشِف عنهم قبل بدر، وكانت في السنة الثانية من الهجرة، وأيضًا فأبو هريرة -رضي اللَّه عنه- راوي الحديث شَهِدَ قنوت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ودعاءه عليهم بذلك، وإنما أسلم أبو هريرة بعد خيبر، فلا يصح حمله على دعائه على قريش قبل وقعة بدر، وحديث ابن مسعود الذي أشار إليه في "الصحيحين" أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما رأى قريشًا استَعصَوا عليه، فقال: "اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف"، فأخذتهم السنة حتى حَصَّت كلَّ شيء، حتى أكلوا العظام، والجلود، وفي رواية: "الميتة" بدل "العظام"، وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان، فأتاه أبو سفيان، فقال: أي محمدُ إن قومك هلكوا، فادع اللَّه أن يكشف عنهم، فدعا، وفي رواية: فدعا ربه، فكُشف عنهم، فعادوا، فانتقم اللَّه منهم يوم بدر.

ففي هذا الحديث أن دعاءه على قريش قبل وقعة بدر، وهذا لم يشهده أبو هريرة. والذي أوقع القرطبيّ في ذلك أن حديث ابن مسعود في بعض طرقه في "الصحيحين" ذكر مضر، فذكر أول الحديث إلى قوله: وحتى أكلوا العظام، فأتى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رجل، فقال: يا رسول اللَّه، استسق لمضر، فإنهم قد هلكوا، فقال: "لمضر؟، إنك لَجَرِيء"، قال: فدعا لهم، فأنزل اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (١٥)} [الدخان: ١٥]، فذكر الحديث، فظَنّ صاحب "المفهم" أنها قصة واحدة، وليس كذلك، فقصة الدعاء على قريش كانت قبل بدر، ولم ينقل فيها قنوت، ولم يشهدها أبو هريرة -رضي اللَّه عنه-، وقريش هي من مضر، وقصة القنوت كانت بعد خيبر، بعد إسلام أبي هريرة، وكان دعاؤه فيها على مضر، وهو اسم جامع لقريش وغيرها، وكان سبب القنوت قصة بئر معونة التي قتل فيها السبعون من القراء، فقنت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- شهرًا يدعو عليهم، وعمم الدعاء على مضر، وليس بدعائه عليهم قبل بدر، واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام ولي الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي قاله وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعقّب


(١) "طرح التثريب" ٢/ ٢٩٢ - ٢٩٣.