للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولحيان، ورِعْلٌ، وذكوان، وعُصيّة قبائل من العرب، قَتَلوا أصحاب بئر معونة، وهم السبعون القرّاء، وكان من حديثهم أن أبا براء الكلابيّ، ويُعرَف بمُلاعب الأَسِنّة سأل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يوجِّهَ معه رجالًا من أصحابه إلى قومه بنجد، يدعونهم إلى اللَّه، ويَعْرِضُون عليهم الإسلام، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني أخاف عليهم أهل نجد"، فقال له أبو براء: أنا لهم جارٌ، فبعثهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- معه، فلما مرُّوا ببني عامر استَصرَخ عليهم عدوّ اللَّه عامر بن الطفيل تلك القبائل التي دعا عليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهم من بني سُلَيم، فأجابوه، فقتلوهم، ولم يَنْجُ منهم إلا عمرو بن أُميّة الضَّمْريّ، فَحَزِنَ عليهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حُزْنًا شديدًا، فإنه لم يُصَب بمثلهم، وكانوا من خيار المهاجرين -رضي اللَّه عنهم- (١). انتهى (٢).

وسيأتي تمام البحث في هذا قريبًا في شرح حديث أنس -رضي اللَّه عنه- إن شاء اللَّه تعالى-.

وقوله: (ثُمَّ بَلَغَنَا) من كلام الزهريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وفيه أنه مرسلٌ؛ لأن الزهريّ لم يذكر من أخبره به، ولكن ذكره في رواية البخاريّ بدون ذكر "وبلغنا".

وذكر في "الفتح" الاستشكال بأن قصة رِعْلٍ وذَكْوَان كانت بعد أحد، ونزول {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨] كان في قصة أحد، فكيف يتأخر السبب عن النزول؟.

قال: ثم ظَهَر لي علة الخبر، وأن فيه إدراجًا، وأن قوله: "حتى أنزل اللَّه" منقطع من رواية الزهريّ، عمن بَلَّغَه بَيَّن ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة، فقال هنا: قال -يعني الزهريّ-: "ثم بلغنا أنه ترك ذلك، لما نَزَلَت"، وهذا البلاغ لا يصحُّ؛ لما ذكرته.

وقد ورد في سبب نزول الآية شيء آخر، لكنه لا ينافي ما تقدم بخلاف قصة رعل وذكوان، فعند أحمد ومسلم من حديث أنس -رضي اللَّه عنه- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كُسِرت رَبَاعيته يوم أحد، وشُجّ وجهه حتى سال الدم على وجهه، فقال: كيف


(١) راجع: "عيون الأثر" ٢/ ٦٧ - ٧٢.
(٢) "المفهم" ٢/ ٣٠٣ - ٣٠٤.