يُفْلِح قوم فَعَلُوا هذا بنبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم؟، فأنزل اللَّه تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية.
قال: وطريق الجمع بينه وبين حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا على المذكورين بعد ذلك في صلاته، فنزلت الآية في الأمرين معًا فيما وقع له من الأمر المذكور، وفيما نشأ عنه من الدعاء عليهم، وذلك كله في أحد، بخلاف قصّة رِعْل وذكوان، فإنها أجنبية.
ويَحْتَمِل أن يقال: إن قصتهم كانت عقب ذلك، وتأخر نزول الآية عن سببها قليلًا، ثم نزلت في جميع ذلك، واللَّه أعلم. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بما ذُكِر أن الأصحّ في سبب نزول الآية هو ما وقع في غزوة أحد مما أصاب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه من قتل سبعين منهم، ومنهم حمزة -رضي اللَّه عنه- عمّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومِنْ شَجّ وجهه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكسر رباعيته، وأما كون دعائه -صلى اللَّه عليه وسلم- على رعل وذكوان، وعُصيّة في قتل القراء السبعين يوم بئر معونة، فلا يصحّ؛ لأنه في وقت آخر بعد أحد، والحديث فيه منقطع؛ لأنه من بلاغ الزهريّ، كما بيّنه مسلم في هذه الرواية، وأما الاحتمال الذي ذكره في "الفتح" أخيرًا، فمحلّ نظرٍ، فتفطّن واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
(أَنَّهُ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (تَرَكَ ذَلِكَ) أي الدعاء عليهم (لَمَّا أُنْزِلَ) وفي نسخة: "لَمّا أُنزلت"، وهو مبنيّ للمفعول، وقوله:({لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}) نائب فاعله، محكيّ؛ لقصد لفظه، أي أنزل اللَّه هذه الآية.
ومعنى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} أي ليس لك من الحكم في عبادي شيء إلا ما أمرتك به فيهم ({أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}) أي مما هم فيه من الكفر، فَيَهْدِيَهُمْ بعد الضلالة ({أَوْ يُعَذِّبَهُمْ}) أي في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم، ولهذا قال ({فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}) بالفاء التعليليّة، أي لأنهم ظالمون فيستحقون ذلك.
قيل: قوله: {أَوْ يَتُوبَ} عطف على قوله: {لِيَقْطَعَ}، والأَوْلى كونه منصوبا بـ "أن" مضمرة بعد "أو"، وهي بمعنى "إلى"، كقول الشاعر [من الطويل]: