للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من السلف، ومن تبعهم من أهل الحديث، فإنهم لا يؤوّلون صفة المحبّة التي أثبتها الله تعالى لنفسه، بل يثبتونها كما أثبتها على ظاهرها، على الوجه الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى، وأما تفسيره المحبّة بأنها ميلٌ لما فيه غَرَض … إلخ فليس أحد ممن له عقل صريح يتخيّل المحبّة التي ثبتت لله سبحانه وتعالى بهذا المعنى، فإنها هي المحبّة الثابتة للمخلوق، وهذا التصوّر هو الذي حَمَل هؤلاء المؤولين على ما صاروا إليه من تحريف صفات الله تعالى، فلو أنهم نظروا إلى الحقيقة لوجدوا الفرق بين صفات الخالق، والمخلوق، فالله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، ومنها المحبّة والرضا، والغضب، ونحوها، على الوجه الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى، (تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا). ونسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سواء السبيل.

قال: وقد اختلف أئمتنا في تأويلها في حقّ الله تعالى، فمنهم من صرفها إلى إرادته تعالى إنعامًا مخصوصًا على من أخبر أنه يحبّه من عباده، وعلى هذا ترجع إلى صفة ذاته، ومنهم من صرفها إلى نفس الإنعام والإكرام، وعلى هذا فتكون من صفات الفعل، وعلى هذا المنهاج يتمشّى القول في الرحمة، والنعمة، والرضا، والغضب، والسخط، وما كان في معناها.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ جوابه ما تقدّم قبله، فمذهب السلف، وأهل الحديث أن هذه الصفات من الرحمة، والنعمة، والرضا، والغضب، والسخط، وما في معناها، صفات أثبتها الله سبحانه وتعالى لنفسه، فهم يثبتونها له كما أثبتها لنفسه، من غير تشبيه، ولا تحريف، ومن غير تعطيل، ولا تأويل، بل هي على ظاهرها، على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى؛ لأنه لا داعي لتأويلها، ولأن المعاني التي يؤولون إليها يوجد فيها من المحذور على قولهم ما يلزم فيها؛ فإن الإنعام الذي أولت به المحبّة، أو إرادته هو أيضًا من صفات المخلوق، فإذا لزم التشبيه في المحبّة، لزم فيه أيضًا، فيفرّون من وَرْطَة، ويقعون في أخرى.

والحاصل أن التأويل مذهب فاسد؛ لأنه لا يحصل به التخلّص من المحذور الذي زعموه، فالحقّ أن تُثْبَت هذه الصفات لله تعالى، على ظاهرها الحقيقيّ، كما أثبتها سبحانه وتعالى لنفسه، على ما يليق بجلاله، ونسأل الله تعالى الهداية والتوفيق.