للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: المراد بنفي النوم عن قلبه أنه لا يطرأ عليه أضغاث أحلام، كما يطرأ على غيره، بل كل ما يراه في نومه حَقّ ووحي، فهذه عدّة أجوبة، أقربها إلى الصواب الأولُ على الوجه الذي قرّرناه، واللَّه المستعان. انتهى ما ذكره في "الفتح" (١)، وهو تحقيقٌ مفيدٌ، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

(فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا) [فإن قيل]: هذا يعارضه حديث عمران بن حصين -رضي اللَّه عنهما- الآتي، ففيه: "فكان أول من استيقظ منّا أبو بكر. . . " الحديث.

وأجيب: بأنه لا تنافي بينهما لتعدّد القصّة، كما سيأتي تحقيق ذلك.

(فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) بكسر الزاي، يقال: فَزعَ منه فَزَعًا، فهو فَزعٌ، من باب تَعِبَ: إذا خاف، وأفزعته، وفَزَّعته، ففزعَ، والمراد به هنا انتبه، وقام من نومه.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختُلف في هذا الفَزَع، وفي سببه، فقال الأصيليّ: كان لأجل عدوّهم أن يكون اتّبعهم، فيجدهم على غِرّة، وقال غيره: لِمَا فاتهم من أمر الصلاة، ولم يكن عندهم حُكْمٌ من ذلك، وقد دلّ على هذا قولهم: "ما كفّارة ما صنعنا بتفريطنا؟ "، وهذا بَيِّنٌ في حقّهم.

وقد يكون الفَزَع بمعنى مبادرتهم إلى الصلاة، كما قال: "فافزعوا إلى الصلاة"، أي بادروا إليها.

وقد يكون فَزَعُ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إجابةَ الفَزِعين من أصحابه، وإغاثتهم لِمَا نَزَلَ بهم، يقال: فَزِعتُ: استغثتُ، وفَزَعتُ: أغثتُ. انتهى (٢).

وقال في "المنهل": معنى "فَزِعَ": أي هَبَّ، وانتبه مذعورًا؛ لِمَا رأى من فوات الوقت، وما قاله الأصيليّ من أن فَزَعَهُ لأجل المشركين الذين رجع من غزوهم؛ لئلا يتبعوه، ويطلبوا أثره، فيجدوه، وجميع أصحابه نِيَامًا، غير مُسَلَّم؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يتبعه عدوّ حين انصرافه من خيبر، وحُنين، ولا ذَكَرَ ذلك أحدٌ من أهل المغازي، بل انصَرَفَ منهما ظافرًا. انتهى (٣).


(١) "الفتح" ١/ ٥٣٦ - ٥٣٧ "كتاب التيمّم" رقم (٣٤٤).
(٢) "المفهم" ٢/ ٣٠٧.
(٣) "المنهل" ٤/ ٢٢.