للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "التمهيد": وفي فَزَع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دليلٌ على أن ذلك لم يكن من عادته منذ بُعِثَ -واللَّه أعلم- ولا معنى لقول من قال: إن فَزَع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان من أجل العدوّ الذي يتبعهم؛ لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يتبعه عدوّ في انصرافه من خيبر، ولا في انصرافه من حُنين، ولا ذَكَر ذلك أحد من أهل المغازي، بل وإن منصرفه في كلتا الغزوتين غانمًا ظافرًا، قد هَزَمَ عدوّه، وظَفِر به، وقَمَعَهُ، والحمد للَّه.

وأما فَزَعُ أصحابه -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث، فَلِمَا رأوا من فَزَعه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويَحْتَمِل أن يكون فزعهم شفقةً، وتأسفًا على ما فاتهم من وقت الصلاة، ولعلهم حَسِبُوا أن الصلاة قد فاتتهم أصلًا، فلحقهم الفزع والحزن؛ لفوت الأجر والفضل، ولم يعرفوا أن خروج الوقت لا يُسقِط فرض الصلاة، حتى قال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها، إذا ذكرها كما كان يصليها لوقتها"، فأخبرهم أنها غير ساقطة عنهم، وإذا لم تسقط عنهم صلوها، وإذا صلوها أدركوا أجرها إن شاء اللَّه، وأعلمهم -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه- أن الإثم عنهم في ذلك ساقط بقوله: "ليس التفريط في النوم، وإنما التفريط في اليقظة"، وفي بعض ألفاظ حديث أبي قتادة: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن الصلاة لا تفوت النائم، إنما تفوت اليقظان، ثم توضأ، وصلى بهم". انتهى بتصرّف (١).

(فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("أَيْ بِلَالُ) "أي" بفتح الهمزة، وسكون التحتانيّة: حرف نداء للبعيد، قال في "الخلاصة":

وَللْمُنَادَى النَّائِي أَوْ كَالنَّائِي "يَا" … وَ"أَيْ" وَ"آ" كَذَا "أَيَا" ثُمَّ "هَيَا"

وَالْهَمْزُ لِلدَّانِي وَ"وَا" لِمَنْ نُدِبْ … أَوْ "يَا" وَغَيْرُ "وَا" لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ

والمعنى هنا: يا بلال لِمَ نِمْتَ؟ حتى خرج الوقت، فالعتاب محذوف، كما قدّمناه، وفي رواية ابن إسحاق: "ماذا صنعتَ بنا يا بلالُ؟ "، وفي حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه-: "قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا بلالُ أين ما قلت؟، قال: ما أُلْقِيت عليّ نومةٌ مثلها قطّ".


(١) "التمهيد" ٦/ ٣٩٦ - ٣٩٧.