للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإنما قال له -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك؛ تنبيهًا له على اجتناب الدعوى والثقة بالنفس، وحُسن الظنّ بها، ولا سيّما في مظانّ الغلبة، وسلب الاختيار، فإن بلالًا -رضي اللَّه عنه- قد ألزم نفسه بحفظ الوقت بقوله: "أنا أوقظكم"، كما تقدّم من رواية البخاريّ (١).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "أي بلال" هكذا هو في روايتنا، ونُسَخ بلادنا، وحَكَى القاضي عياض عن جماعة أنهم ضَبَطوه: "أين بلال؟ " بزيادة نون. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أي بلال" كذا عند أكثر الرواة بأي التي للنداء، وعند العذريّ والسمرقنديّ: "أين بلال" بـ "أين" الظرفيّة. انتهى (٣).

(فَقَالَ بِلَالٌ) -رضي اللَّه عنه- معتذرًا (أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، يَا رَسُولَ اللَّهِ بِنَفْسِكَ) متعلّق بـ "أخذ"، وقوله: "بأبي أنت. . . إلخ" متعلّق بخبر محذوف، و"أنت مبتدأ"، أي أنت مفديّ بأبي وأمي، أو متعلّق بفعل مقدّر، أي أَفْديك بأبي وأمي، والجملة معترضة بين العامل، وهو "أخذ"، ومعموله، وهو "بنفسك"، ووقع في بعض النسخ: "أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه"، وهو واضح.

والمعنى: أن اللَّه تعالى قبض بنفسي بالنوم، كما قبض نفسك به، فلا قدرة على أداء ما التزمته من كِلاءة وقت الصلاة.

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قول بلال -رضي اللَّه عنه-: "أخذ بنفسي. . . إلخ" على طريق العُذر مما كان تكفّل به، كما قدّمناه من رواية البخاريّ.

وقال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أما قول بلال -رضي اللَّه عنه- في هذا الحديث: "أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك"، فمعناه: قَبَضَ نفسي الذي قَبَضَ نفسك، والباء زائدة، أي تَوَفَّى نفسي مُتَوَفِّي نفسك، والتوفي: هو القبض نفسه، يعني أن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- قبض نفسه، وهذا قول مَن جَعَلَ النفس والروح شيئًا واحدًا، وهو الراجح، وسيأتي تمام البحث فيه في "المسألة الرابعة -إن شاء اللَّه تعالى-.


(١) "المنهل" ٤/ ٢٢.
(٢) "شرح النوويّ" ٥/ ١٨٢.
(٣) "المفهم" ٢/ ٣٠٧.