للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("اقْتَادُوا") أي قُودوا رواحلكم، وهو افتعال من قاد، يقال: قاد الرجلُ الفرسَ قَوْدًا، من باب قال، وقِيَادًا بالكسر، وقِيادةً، قال الخليل: الْقَوْدُ أن يكون الرجل أمام الدابّة آخذًا بقيادها، والسوقُ أن يكون خلفها، فإن قادها لنفسه قيل: اقتادها. انتهى (١).

وقيل: معنى "اقتادوا": أي قُودُوا رواحلكم لأنفسكم، آخذين بمقاودها، والْقَوْدُ: خلاف السَّوْقِ، ففي الْقَوْد يكون الرجل أمام الدّابّة، وفي السَّوْق يكون خلفها، فإن قادها لنفسه يقال: اقتادها، وقد جاء ما يوضّح هذا المعنى في الرواية الثانية، حيث قال: "ليأخذ كلُّ رجل برأس راحلته".

(فَاقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ) أي اقتاد كل واحد راحلته لنفسه؛ انتقالًا من ذلك المنزل الذي فاتهم فيه أداء صلاة الصبح.

وقوله: (شَيْئًا) منصوب على الظرفيّة، أي وقتًا يسيرًا، أو مفعول مطلق على النيابة، أي اقتيادًا قليلًا بعد أن أمرهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، وقد بيّن لهم سبب الأمر باقتياد رواحلهم من ذلك المكان في رواية أبي حازم التالية: "ليأخذ كلُّ رجل برأس راحلته، فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان"، وفي رواية أبي داود: "تحوّلوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة".

قال في "المنهل": وأما قول بعضهم: إنما أمرهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالاقتياد؛ لأنه انتبه حين طلوع الشمس، والصلاةُ منهيّ عنها في هذا الوقت، فأمر بالاقتياد حتى ترتفع الشمس.

فيردّه قوله في الحديث: "حتى ضربتهم الشمس"، فإنه يدلّ على أنها قد ارتفعت كثيرًا، فكيف يكون انتقالهم لارتفاعها؟.

وفي حديث عمران بن حصين -رضي اللَّه عنهما- الآتي: "فما أيقظنا إلا حرّ الشمس"، فإن هذا لا يكون إلا بعد ارتفاعها.

ومما يُبيّن فساد هذا التأويل ما وقع عند مالك في "الموطّأ"، بلفظ: "فأمرهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي، وقال: إن هذا واد به شيطان، فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي"، فقد جعل ذلك علّةً


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥١٨.