للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قضاء الصلاة، ما يُسْقِط قضاءها عن العامد؛ لتركها حتى يَخْرُج وقتها، بل فيه أوضح الدلائل على أن العامد المأثوم أولى أن يؤمر بالقضاء من الناسي المتجاوَزِ عنه، والنائمِ المعذورِ، وإنما ذَكَر النائم والناسي؛ لئلا يَتَوَهَّم متوهم أنهما لما رُفِع عنهما الإثم سقط القضاء عنهما فيما وجب عليهما، فأبان -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ذلك غير مسقط عنهما قضاء الصلاة، وأنها واجبة عليهما متى ما ذكراها، والعامدُ لا محالة ذاكرٌ لها، فوجب عليه قضاؤها، والاستغفار من تأخيرها؛ لعموم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإن اللَّه تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: ١٤] "، وقد قضاها -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد خروج وقتها يوم الخندق من غير نسيان، ولا نوم، إلا أنه شُغِل عنها، وأجاز من أدرك ركعة من العصر أن يصلي تمامها بعد خروج وقتها. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو تحقيقٌ حسنٌ، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة السادسة -إن شاء اللَّه تعالى-.

(فَإِنَّ اللَّهَ) الفاء للتعليل، أي إنما أمرته بصلاتها وقت ذكرها؛ لأن اللَّه تعالى (قَالَ) في كتابه الكريم ({وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} ") قراءة الجمهور بلام الأمر الجارّة للمصدر المضاف إلى ياء المتكلّم، ومعناه: لتذكرني فيها بلا رياء، فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله، وقيل: إنه من إضافة المصدر إلى الفاعل، والمعنى: لأذكُرك بالثناء، أو لأني ذكرتها في الكتاب، وأمرت بها، وليس في هذه القراءة دليل لمسألهَ قضاء النائم، والناسي، وإنما الدليل في القراءة الأخرى، وهي التي بيَّنها بقوله: (قَالَ يُونُسُ) بن يزيد الأيليّ الراوي عن الزهريّ في هذا الإسناد، ومقول "قال" قوله: (وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ) الزهريّ (يَقْرَؤُهَا) أي يقرأ الآية المذكورة في تلاوته للقرآن، وهي قراءة شاذّة، وهي قراءة ابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وابن السميفع (٢).

وقيل: يَحْتَمِل أن يكون المراد أنه كان يقرؤها في روايته للحديث، وفيه بُعدٌ (لِلذِّكْرَى) أي بلام الجرّ، وبعدها "أل" المعرّفة، وكسر الذال المعجمة، وسكون الكاف، مقصورًا، والمعنى عليه: أقم الصلاة في الوقت الذي تتذكّرها


(١) "التمهيد" ٦/ ٣٩٥ - ٣٩٦.
(٢) راجع: "زاد المسير" لابن الجوزيّ (٥/ ٢٧٥).