[ومنها]: دعوى أنه من الخصائص، فيمتنع من غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يمتنع منه؛ لأن غيره إذا جَمَعَ أَوْهَم إطلاق التسوية، بخلافه هو، فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك، وإلى هذا مال ابن عبد السلام.
[ومنها]: دعوى التفرقة بوجه آخر، وهو أن كلامه - صلى الله عليه وسلم - هنا جملة واحدة، فلا يحسن إقامة الظاهر فيها مكان المضمر، وكلام الذي خطب جملتان، لا يُكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر.
وتُعُقِّب هذا بأنه لا يلزم من كونه لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر، أن يكره إقامة المضمر فيهما مقام الظاهر، فما وجه الرد على الخطيب، مع أنه هو - صلى الله عليه وسلم - جمع كما تقدم؟.
ويجاب بأن قصة الخطيب كما قلنا، ليس فيها صيغة عموم، بل هي واقعة عين، فيحتمل أن يكون في ذلك المجلس مَن يُخشَى عليه توهم التسوية، كما تقدم.
ومن محاسن الأجوبة في الجمع بين حديث الباب، وقصة الخطيب أن تثنية الضمير هنا للإيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين، لا كل واحدة منهما، فإنها وحدها لاغية، إذا لم ترتبط بالأخرى، فمن يدعي حب الله تعالى مثلًا، ولا يحب رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا ينفعه ذلك، ويشير إليه قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} الآية [آل عمران: ٣١]، فأوقع متابعته مكتنفة بين قطري محبة العباد، ومحبة الله تعالى للعباد، وأما أمر الخطيب بالإفراد، فلأن كل واحد من العصيانين، مستقل باستلزام الغواية، إذ العطف في تقدير التكرير، والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم، ويشير إليه قوله تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} الآية [النساء: ٥٩]، فأعاد أطيعوا في الرسول، ولم يعده في أولي الأمر؛ لأنهم لا استقلال لهم في الطاعة، كاستقلال الرسول. انتهى مُلَخَّصًا من كلام البيضاوي، والطيبي.
[ومنها]: أجوبة أخرى فيها تكلف، منها أن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه.