للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ريحًا، كأن ثيابه لَمْ يمسها دنس، حتى سلّم في طرَف البساط، فقال: السلام عليكم يا محمد".

(وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ) يعني أنهم تعجّبوا من كيفيّة إتيانه، ووقع في خاطرهم أنه إما ملكٌ، أو جنّيّ؛ لأنه لو كان بشرًا إما أن يكون من المدينة، أو غريبًا، ولم يكن من المدينة؛ لأنهم لَمْ يعرفوه، ولم يكن إتيانه من بعيد؛ لأنه لَمْ يكن عليه أثر السفر، من الغبار وغيره.

(حَتَّى جَلَسَ) غاية لمحذوف، أي دنا حتى جلس .. إلخ، وقال الطيبيّ: متعلّق بمحذوف، تقديره: استأذن، وأتى حتى جلس .. إلخ.

(إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ـ) قيل: إنما لَمْ يقل: بين يديه؛ لأن له دالّةَ الشيخ (١)؛ إذ لَمْ يأت متعلِّمًا، وإنما أتى معلّمًا (فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ) يقال: أسند: إذا اتّكأ على شيء، وأوصل، وإنما جلس هكذا؛ ليتعلّم الحاضرون جلوس السائل عند المسئول؛ لأن الجلوس على المركبة أقرب إلى التواضع والأدب، واتّصال ركبة السائل بركبة المسئول يكون أبلغ في استماع كلّ واحد من السائل والمسئول كلام صاحبه، وأبلغ في حضور القلب، والزم للجواب؛ لأن الجلوس على هذه الهيئة دليل على شدّة حاجة السائل إلى السؤال، وتعلّق قلبه، واهتمامه إلى استماع الجواب، فإذا عَرَف المسئول هذا الحرص والاحتياج من السائل يُلزم نفسه جوابه، ويبالغ في تفهيمه الجواب أكثر وأتمّ مما سأل السائل (٢).

(إِلَى رُكْبَتَيْهِ) أي إلى ركبتي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية ابن حبّان في "صحيحه"، وابن منده في "الإيمان": "بينا نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس، إذ جاء رجل ليس عليه سَحْنَاءُ السفر (٣)، وليس من أهل البلد، فتَخَطّى حتى وَرَكَ (٤) بين


(١) قال في "اللسان" ١١/ ٢٤٨: الذالّة: المِنة، يقال: دَلّ يَدِلُّ - من باب ضرب -: إذا منّ بعطائه، قال: وفلانٌ يُدل بصحبته إدلالًا ودَلالًا ودالّةً: أي يجترئ عليك، كما تُدلّ الشابّة على الشيخ الكبير بجمالها. انتهى.
(٢) راجع "الكاشف" ٢/ ٤٢٢.
(٣) أي: هيئة السفر، وأثره.
(٤) يقال: وَرَكَ يَرِكُ وَرَكًا، من باب وَعَد، وتورَّك، وتوارك: إذا اعتمد على وَرَكِه. أفاده في "القاموس" ص ٨٦٠.