للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومن المؤمنين من يكون مستغرقًا بالشهوات، محجوبًا بالغفلات عن ذلك المعنى في أكثر أوقاته، فهذا بأخسّ الأحوال، لكنه إذا ذُكّر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو بشيء من فضائله اهتاج لذكره، واشتاق لرؤيته بحيث يؤثر رؤيته، بل رؤية قبره، ومواضع آثاره على أهله، وماله، وولده، ونفسه، والناس أجمعين، فيخطُر له هذا، ويجده وجدانًا لا شكّ فيه، غير أنه سريع الزوال والذهاب؛ لغلبة الشهوات، وتوالي الغفلات، ويُخاف على من كان هذا حاله ذهاب أصل تلك المحبّة حتى لا يوجد منها حَبّة.

فنسأل الله تعالى الكريم أن يمُنّ علينا بدوامها، وكمالها، ولا يحجبنا عنها. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى المذكور أولَ الكتاب قال:

[١٧٧] ( … ) - (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ").

إسناد هذا الحديث تقدّم قبل حديثين، وكذلك شرح الحديث، وبيان مسائله المتعلّقة به سبق تحقيقها في الحديث الماضي، فراجعها تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

وقوله: (مِنْ وَلَدِه، وَوَالِدِهِ) قدّم الولد في رواية المصنّف على الوالد لمزيد الشفَقَة، وقدّم الوالد في رواية البخاريّ؛ نظرًا للأكثريّة؛ لأن كلّ أحد له والد من غير عكس.

وقوله: (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) من عطف العام على الخاصّ، قال في "الفتح": وذِكرُ الولد والوالد، أَدْخَلُ في المعنى؛ لأنهما أعزّ على العاقل من


(١) "المفهم" ١/ ٢٢٥ - ٢٢٧.