للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعظيمه، وإجلاله، ولا شكّ في كفر من لا يعتقد عليه (١)، غير أن تنزيل هذا الحديث على ذلك المعنى غير صحيح؛ لأن اعتقاد الأعظميّة ليس بالمحبّة، ولا الأحبيّة، ولا مستلزمًا لها، إذ قد يجد الإنسان من نفسه إعظام أمر، أو شخص، ولا يجد محبّته؛ ولأن عمر - رضي الله عنه - لَمّا سمع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، وولده، ووالده، والناس أجمعين"، قال عمر: يا رسول الله أنت أحبّ إليّ من كل شيء، إلا نفسي، فقال: "ومن نفسك يا عمر"، قال: ومن نفسي، فقال: "الآن يا عمر" (٢). وهذا كلّه تصريحٌ بأن هذه المحبّة ليست باعتقاد تعظيم، بل ميل إلى المعتقد، وتعظيمه، وتعلّق القلب به، فتأمّل هذا الفرق، فإنه صحيح، ومع ذلك فقد خفي على كثير من الناس.

وعلى هذا المعنى الحديثُ - والله أعلم -: أن من لم يجد من نفسه ذلك الميل، وأرجحيّته للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكمل إيمانه.

قال: على أني أقول: إن كل من صدّق بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وآمن به إيمانًا صحيحًا، لم يَخْلُ عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، غير أنهم في ذلك متفاوتون، فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، كما قد اتّفق لعمر - رضي الله عنه - حتى قال: من نفسي، ولهند امرأة أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما، حين قالت للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: لقد كان وجهك أبغض الوجوه كلّها إليّ، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلها إليّ … الحديث. وكما قال عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: لقد رأيتني، وما أحد أحبّ إليّ من رسول الله، ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أُطيق أن أملأ عيني منه إجلالًا له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه (٣). ولا شكّ في أن حظّ أصحابه - صلى الله عليه وسلم - من هذا المعنى أعظم؛ لأن معرفتهم لقدره أعظم؛ لأن المحبّة ثمرة المعرفة، فتقوى، وتضعف بحسبها.


(١) هكذا عبارة "المفهم"، وفيها ركاكة، ولعل الأولى: "ولا شك في كفر من لا يعتقد ذلك"، والله تعالى أعلم.
(٢) رواه أحمد ٤/ ٣٣٦. وقد تقدم من رواية البخاريّ بنحوه.
(٣) رواه مسلم (١٢١).