للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وامتئال أوامره شيئًا من هذه الأشياء المحبوبة طبعًا، دلّ ذلك على عدم إتيانه بالإيمان التّامّ الواجب عليه.

وكذلك القول في تعارض محبّة الله، ومحبّة داعي الهوى والنفس، فإن محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تبعٌ لمحبّة مُرسله عز وجل. هذا كلّه في امتثال الواجبات، وترك المحرّمات.

فإن تعارض داعي النفس، ومندوبات الشريعة، فإن بلغت المحبّة إلى تقديم المندوبات على دواعي النفس، كان ذلك علامة كمال الإيمان، وبلوغه إلى درجة المقرّبين المحبوبين المتقرّبين بالنوافل بعد الفرائض، وإن لم تبلغ هذه المحبّة إلى هذه الدرجة، فهي درجة المقتصدين أصحاب اليمين الذين كملت محبّتهم الواجبة، ولم يزيدوا عليها. انتهى كلام ابن رجب رحمه الله تعالى (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا.

(ومنها): ما قاله أبو العبّاس القرطبي رَحِمَهُ اللهُ: هذا الحديث على إيجازه يتضمّن ذكر أصناف المحبّة، فإنها ثلاثة: محبة إجلال وإعظام، كمحبّة الوالد، والعلماء، والفضلاء؛ ومحبة رحمة، وإشفاق، كمحبة الولد؛ ومحبة مشاكلة، واستحسان، كمحبة غير من ذكرنا، وإن محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا بدّ أن تكون راجحة على ذلك كلّه، وإنما كان ذلك؛ لأن الله تعالى قد كمّله على جميع جنسه، وفضّله على سائر نوعه بما جبله عليه من المحاسن الظاهرة، والباطنة، وبما فضله من الأخلاق الحسنة، والمناقب الجميلة، فهو أكمل مَن وطِئ الثرى، وأفضل من ركب ومشى، وأكرم من وافى القيامة، وأعلاهم منزلة في دار الكرامة.

قال القاضي أبو الفضل: فلا يصحّ الإيمان إلا بتحقيق إنافة قدر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ومنزلته على كلّ والد، وولد، ومُحسنٍ، ومُفَضَّل، ومن لم يعتقد هذا، واعتقد سواه، فليس بمؤمن.

قال القرطبيّ: وظاهر هذا القول أنه صرف محبة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى اعتقاد


(١) "شرح البخاريّ " لابن رجب ١/ ٤٩.