للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣ - (ومنها): ما قاله الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: محبّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أصول الإيمان، وهي مقارنة لمحبّة الله عز وجل، وقد قرنها الله تعالى بها، وتوعّد من قدّم عليهما محبّة شيء من الأمور المحبوبة طبعًا من الأقارب، والأموال، والأوطان، وغير ذلك، فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} الآية [التوبة: ٢٤].

ولَمّا قال عمر - رضي الله عنه - للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أنت أحبّ إليّ من كلّ شيء إلا من من نفسي، فقال: "لا يا عمر حتى أكون أحبّ إليك من نفسك"، فقال عمر - رضي الله عنه -: والله لأنت الآن أحبّ إليّ من نفسي، قال: "الآن يا عمر" (١).

فيجب تقديم محبّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على النفوس، والأولاد، والأقارب، والأهلين، والأموال، والمساكن، وغير ذلك مما يُحبّه الإنسان غاية المحبّة، وإنما تتمّ المحبّة بالطاعة، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} الآية [آل عمران: ٣١].

وسُئل بعضهم عن المحبّة، فقال: الموافقة في جميع الأحوال. فعلامة تقديم محبّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على محبّة كلّ مخلوق أنه إذا تعارضت طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أوامره، وداع آخر يدعو إلى غيرها من هذه الأشياء المحبوبة، فإن قدّم طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وامتثال أوامره على ذلك الداعي، كان دليلًا على صحة محبّته للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتقديمها على كلّ شيء، وإن قدّم على طاعته،


(١) أخرجه البخاريّ في "صحيحه"، ونصّه:
حدثنا يحيى بن سليمان، قال: حدثني ابن وهب، قال: أخبرني حيوة، قال: حدثني أبو عَقِيل زَهْرَة بن مَعْبَد، أنه سمع جده عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء، إلا من نفسي، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا، والذي نفسي بيده حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك"، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "الآن يا عمر".