للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يريد لا يزيد نفلًا، ويمكن أن يريد ما هو أعمّ من ذلك. انتهى.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويدلّ على هذا الثاني رواية مسلم، ولفظه: "صحبت ابن عمر في طريق مكة، فصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل، وأقبلنا معه، حتى جاء رحله، وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة، فرأى ناسًا قيامًا، فقال: ما يصنع هؤلاء؛ قلت: يسبحون، قال: لو كنت مسبحًا لأتممت"، فذكر المرفوع. انتهى.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أجابوا عن قول ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- هذا بأن الفريضة محتّمة، فلو شُرعت تامة لتحتم إتمامها، وأما النافلة فهي إلى خِيرة المصلي، فطريق الرفق به أن تكون مشروعة، ويُخيّر فيها. انتهى.

قال الحافظ: وتُعُقّب بأن مراد ابن عمر بقوله: "لو كنت مسبحًا لأتممت" يعني أنه لو كان مخيّرًا بين الإتمام، وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحبّ إليه، لكنه فَهِم من القصر التخفيف، فلذلك كان لا يُصلي الراتبة، ولا يُتمّ. انتهى.

(حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ) غاية لقصره في السفر (وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ) الصدّيق -رضي اللَّه عنه- (فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ) بن الخَطّاب (فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ) بن عفّان -رضي اللَّه عنه- (فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ) وإنما ذكر ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- الموقوف بعد المرفوع مع أن الحجة قائمة بالمرفوع؛ ليُبيّن أن العمل استمرّ على ذلك، ولم يطرُق إليه نسخٌ، ولا مُعارِضٌ، ولا راجحٌ.

واستُشْكِل قوله: "ثم صحبت عثمان، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه اللَّه"؛ لأنه ثبت فيما سيأتي في الباب التالي من حديث ابن عمر أن عثمان أتمها بعد ثماني سنين، أو ست.

وأجيب: بأن المراد في هذه الرواية أن عثمان لم يَزِد على ركعتين حتى قبضه اللَّه في غير منى، والروايات المشهورة بإتمام عثمان بعد صدر من خلافته محمولة على الإتمام بمنى خاصّةً، وقد فَسَّر عمران بن الحصين في روايته أن إتمام عثمان إنما كان بمنى، أفاده النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).


(١) "شرح النوويّ" ٥/ ١٩٨ - ١٩٩.