للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم ذكر ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- دليلًا على أن الأولى بالمسلم الحريص على دينه أن يقتدي بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيفعل ما فعله، ويترك ما تركه، ومن جملته ترك السنن الرواتب، فقال:

(وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}) زاد في رواية لأبي عوانة: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: ٢١].

ومعنى: {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}؛ أي: قُدْوة صالحة، يقال: لي في فلاة أُسوة: أي: لي به أسوة، والأسوة من الائتساء، كالقُدوة من الاقتداء: اسم يوضع موضع المصدر.

وقال القرطبيّ في "تفسيره": و"الأسوة": القُدوة، وقرأ عاصم {أُسْوَةٌ} بضم الهمزة، والباقون بالكسر، وهما لغتان، والجمع فيهما واحدٌ عند الفراء، والعلَّة عنده في الضم على لغة من كسر في الواحدة الفرق بين ذوات الواو وذوات الياء، فيقولون: كِسْوة وكُسًا، ولحية ولُحى، قال الجوهري: والأُسوة والإِسوة بالضم والكسر لغتان، والجمع أُسًى وإسًى.

والأسوة: القدوة: والأسوة: ما يُتَأَسَّى به؛ أي: يُتَعَزَّى به، فَيُقْتَدى به في جميع أفعاله، ويتعزى به في جميع أحواله، فلقد شُجّ وجهه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكُسِرت رباعيته، وقُتِل عمه حمزة، وجاع بطنه، ولم يُلْفَ إلا صابرًا محتسبًا، وشاكرًا راضيًا (١).

وقال الإمام ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أقواله، وأفعاله، وأحواله، ولهذا أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الأحزاب في صبره، ومصابرته، ومرابطته، ومجاهدته، وانتظاره الفرج من ربه -عزَّ وجلَّ- صلوات اللَّه وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين، ولهذا قال تعالى للذين تَضَجَّروا، وتزبزلوا، واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي: هلا اقتديتم به، وتأسيتم بشمائله -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولهذا قال تعالى: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. انتهى (٢).


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ١٤/ ١٥٥ - ١٥٦.
(٢) "تفسير ابن كثير" ٤/ ٢٧١.