للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الشوكاني -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفي هذه الآية عِتَاب للمتخلفين عن القتال مع رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ أي: لقد كان لكم في رسول اللَّه حيث بَذَل نفسه للقتال، وخرج إلى الخندق لنُصرة دين اللَّه أسوة، وهذه الآية وإن كان سببها خاصًّا، فهي عامّة في كل شيء، ومثلها: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]، وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١].

واللام في: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} متعلّق بـ {حَسَنَةٌ}، أو بمحذوف هو صفة لـ {حَسَنَةٌ}؛ أي: كائنة لمن يرجو اللَّه.

وقيل: إن الجملة بدل من الكاف في {لَكُمْ}، وردّه أبو حيان، وقال: إنه لا يُبْدَل من ضمير المخاطب بإعادة الجارّ.

ويجاب عنه بأنه قد أجاز ذلك الكوفيون والأخفش، وإن منعه البصريون.

والمراد بمن كان يرجو اللَّه: المؤمنون، فإنهم الذين يرجون اللَّه ويخافون عذابه، ومعنى يرجون اللَّه: يرجون ثوابه، أو لقاءه، ومعنى يرجون اليوم الآخر: أنهم يرجون رحمة اللَّه فيه، أو يُصَدِّقون بحصوله، وأنه كائن لا محالة، وهذه الجملة تخصيص بعد التعميم بالجملة الأولى.

وقوله تعالى: {وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} معطوف على {كَانَ} أي: ولمن ذكر اللَّه في جميع أحواله ذكرًا كثيرًا، وجَمَع بين الرجاء للَّه والذكر له؛ لأن بذلك تتحقق الأسوة الحسنة برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قاله الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: واختُلِف في هذه الأسوة بالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- هل هى على الإيجاب، أو على الاستحباب؟ على قولين:

أحدهما: على الإيجاب حتى يقوم دليل على الاستحباب.

الثاني: على الاستحباب حتى يقوم دليل على الإيجاب، ويَحْتَمِل أن يُحْمَل على الإيجاب في أمور الدين، وعلى الاستحباب في أمور الدنيا. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الأرجح أن الاقتداء بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مستحبّ ما لم يقم دليل الوجوب، فيجب، وقد حقّقت المسألة في "التحفة المرضيّة"،


(١) فتح القدير ٤/ ٢٧٠ - ٢٧١.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ١٤/ ١٥٦.