للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المطلق، لا أنه سنة راتبة للصلاة كسنة صلاة الإقامة، ويؤيِّد هذا أن الرباعية قد خُفّفت إلى ركعتين تخفيفًا على المسافر، فكيف يُجعل لها سنة راتبة يُحافظ عليها، وقد خُفّف الفرض ركعتين؟ فلولا قصد التخفيف على المسافر، وإلا كان التمام أولى به.

وقال أيضًا -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كان -أي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يواظب على سنة الفجر، والوتر أشدّ من جميع النوافل، دون سائر السنن، ولم يُنْقَل أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى سنة راتبة غيرهما، ولذلك كان ابن عمر لا يزيد على ركعتين، وسئل عن سنة الظهر في السفر؟ فقال: لو كنت مسبِّحًا لأتممت، وهذا من فقهه -رضي اللَّه عنه-، فإن اللَّه -سبحانه وتعالى- خَفَّف عن المسافر في الرباعية شطرها، فلو شُرع لها الركعتان قبلها، أو بعدها لكان الإتمام أولى به. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: قد تَبَيَّن بما ذُكر أن النفل المطلق ثابت عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في السفر، وكذا الوتر، ومن السنن الراتبة سنة الصبح، وما عدا ذلك، فأحاديثه متكلَّم فيها، وإن ثبتت فتُحْمَل على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعلها لبيان الجواز، فالأولى للمسافر أن يلازم ما لازمه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإن خير الهدي هدي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-.

والحاصل أن الأولى للمسافر أن يتطوّع بمطلق النافلة، كصلاة الليل، وصلاة الوتر، وصلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- على راحلته في الطريق حيثما توجّهت به، وأما السنن الرواتب فالأولى له تركها، غير سنّة الصبح؛ اقتداء بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإِمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال:

[١٥٨٠] (. . .) - (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، يَعْنِي ابْنَ زُريعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: مَرِضْتُ مَرَضًا، فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ يَعُودُنِي، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنِ السُّبْحَةِ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي السَّفَرِ، فَمَا رَأَيْتُهُ يُسَبِّحُ، وَلَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}).


(١) "زاد المعاد" ١/ ٤٧٣ - ٤٧٥.