وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا كان وقد أزمع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على سفره إلى مكة، والظاهر أنه كان في حجته، وبين ذي الحليفة والمدينة نحو من ستة أميال، وقيل: سبعة، واختُلف في الموضع الذي يبدأ منه بالقصر المسافر، فذهب جمهور السلف والعلماء إلى أنه إذا خرج من بيوت المدينة قَصَرَ، وإذا دخلها راجعًا من سفره أتمّ، ومحصول مشهور مذهب مالك هذا، ورُوي عنه أنه لا يقصُرُ حتى يُجاوز ثلاثة أميال إن كانت القرية مما تُجمَّع فيها الجمعةُ، فإذا رجع أتمّ من هناك، ورُوي عن عطاء وغيره وجماعة من أصحاب عبد اللَّه أنه إذا أراد السفر قَصَرَ قبل خروجه، ورُوي عن مجاهد: لا تَقْصُر إذا خرجت يومك إلى الليل، ولم يوافقه أحد على هذا، والصحيح مذهب الجمهور، وفي حديث أنس -رضي اللَّه عنه- هذا ما يرُدّ قولَ عطاء، ومن قال بقوله، وقولَ مجاهد، فإنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قصر بعدما فارق المدينة، وقبل الليل، فكان ذلك ردًّا لقولهما. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١) واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس -رضي اللَّه عنه- هذا مُتّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٢/ ١٥٨١ و ١٥٨٢](٦٩٠)، و (البخاريّ) في "تقصير الصلاة"(١٠٨٩)، و"الحجّ"(١٥٤٦ و ١٥٤٧ و ١٥٤٨ و ١٥٥١ و ١٧١٢ و ١٧١٤ و ١٧١٥ و ٢٩٥١ و ٢٩٨٦)، و (أبو داود) في "الصلاة"(١٢٠٢)، و (الترمذيّ) فيها (٥٤٦)، و (النسائيّ) فيها (٤٦٩)، وفي "الكبرى"(٣٥٣)، و (عبد الرزّاق) في "مصنّفه"(١٤)، و (الشافعيّ) في "السنن"(١٤)، و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه"(٢/ ٤٤٣)، و (أحمد) في "مسنده"(٣/ ١١)، و (الدارميّ) في "سننه"(١/ ٣٥٤ و ٣٥٥)، و (ابن حبّان) في "صحيحه"(٢٧٤٣ و ٢٧٤٤ و ٢٧٤٧ و ٢٧٤٨)، و (أبو عوانة) في "مسنده" (٢٣٧٤ و ٢٣٧٥ و ٢٣٧٦ و ٢٣٧٧