للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣ - (ومنها): أن شيخه محمد بن بشّار أحد التسعة الذين روى عنهم أصحاب الكتب الستة بلا واسطة.

شرح الحديث:

(عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ) -بضم الهاء، وتخفيف النون- أنه (قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ) -رضي اللَّه عنه- (عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ؟) يقال: قَصَرتُ الصلاةَ قصرًا، من باب نصر، وقصّرتها تقصيرًا، وأقصرتها إقصارًا، والأول أشهر في الاستعمال، وأفصح، وهو لغة القرآن، وقد تقدّم تمام البحث فيه.

والمعنى: أنه سأله عن مقدار المسافة التي تُقصر فيها الصلاة (فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ) للشكّ (ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، شُعْبَةُ الشَّاكُّ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا ليس على سبيل الاشتراط، وإنما وقع بحسب الحاجة؛ لأن الظاهر من أسفاره -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه ما كان يسافر سفرًا طويلًا، فيخرج عند حضور فريضة مقصورة، ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمها، وإنما كان يسافر بعيدًا من وقت المقصورة، فتدركه على ثلاثة أميال، أو أكثر، أو نحو ذلك، فيصليها حينئذ، والأحاديث المطلقة مع ظاهر القرآن متعاضدات على جواز القصر من حين يخرج من البلد، فإنه حينئذ يسمى مسافرًا. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ربّما تمسّك بهذا الحديث بعض الظاهريّة، وبحديث ذي الحليفة على أن من نوى سفرًا قصيرًا، ولو لم يبلغ يومًا تامًّا أنه يقصر، ولا حُجّة له فيه؛ لأنه مشكوك فيه، فلا يوثق لا بثلاثة أميال، ولا بثلاثة فراسخ؛ إذ كلّ واحد منهما مشكوك فيه، وعلى تقدير أحدهما، فلعلّه حدّد المسافة التي بدأ منها القصر، وسفره بعد ذلك كان أزيد بالمقدار الذي حكيناه عن الجمهور. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قوله: "لأنه مشكوك فيه. . . إلخ" فيه نظر لا يخفى، إذ مثل هذا الشكّ لا يضرّ؛ لأن الأميال الثلاثة داخلة في الفراسخ،


(١) "شرح النوويّ" ٥/ ٢٠٠.
(٢) "المفهم" ٢/ ٣٣٢.