فيؤخذ بالأكثر؛ احتياطًا، كما قاله في "الفتح"، فلا يضرّ الشكّ في مثل هذا.
وأما حَمْلُ من حمله -كالنوويّ- على أن المراد به المسافة التي يُبتدَأُ منها القصر، لا غاية السفر، فمما لا يخفى بعده، ومما يُبطله أن البيهقيّ ذكر في روايته أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس -رضي اللَّه عنه-، قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة -يعني من البصرة- فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع، فقال أنس. . . فذكر الحديث، فقد تبيّن أنه إنما سأله عن جواز القصر في السفر، لا عن الموضع الذي يُبتدأ القصر منه، فتبصّر.
وأيضًا الصحيح عند القائلين بتحديد مسافة القصر بيومين، أو ثلاث أنه لا يتقيّد ابتداء القصر بمسافة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ، بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منه.
والحاصل أن حديث أنس -رضي اللَّه عنه- كما قال في "الفتح"- (١) هذا أصحّ ما ورد في بيان أقلّ مسافة القصر، وأصرحه، فالاعتماد عليه أولى من غيره، وقد تقدّم تحقيق ذلك في المسألة الخامسة من شرح حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- المتقدّم في الباب الماضي، فارجع إليه تزدد علمًا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٢/ ١٥٨٣](٦٩١)، و (أبو داود) في "الصلاة"(١٢٠١)، و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه"(٢/ ٤٤٣)، و (أحمد) في "مسنده"(٣/ ١٢٩)، و (ابن حبّان) في "صحيحه"(٢٧٤٥)، و (أبو عوانة) في "مسنده"(٢٣٦٨)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.