للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والسادس والسابع وبعض الثامن ناويًا للإقامة بها بلا شكّ، ثم خرج إلى منى يوم التروية، وهو الثامن قبل الزوال، وهذا يُبطل تقديرهم بأربعة أيام، ولهذا حكى ابن رُشد عن أحمد وداود أنه إذا أزمع على أكثر من أربعة أيام أتمّ، قال: واحتجّوا بمقامه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجته بمكة مقصرًا أربعة أيام.

وذكر صاحب "التمهيد" عن الأثرم: قال أحمد: أقام -صلى اللَّه عليه وسلم- اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الصبح بالأبطح في الثامن، فهذه إحدى وعشرون صلاةً قصر فيها، وقد أجمع على إقامتها، وظهر بهذا بطلان قول البيهقيّ: فلم يُقم في موضع واحد أربعًا يقصر، وكيف يقول؛ كان سائرًا في اليوم الرابع مع أنه قَدِمَ في صبيحته، فأقام بمكة؟ وكيف لا يحسب يوم الدخول مع أن الأحكام المتعلّقة بالسفر ينقطع حكمها يوم الدخول إذا نوى الإقامة، ويلحق بها بعده؟. أصله رخصة المسح والإفطار، فلا معنى لإخراجه بعد نيّة الإقامة بغير دليل شرعيّ، وكذا يوم الخروج قبل خروجه.

وفي اختلاف العلماء للطحاويّ: روي عن ابن عبّاس وجابر أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدِمَ مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة، فكان مقامه إلى وقت خروجه أكثر من أربع، وقد كان يقصر الصلاة، فدلّ على سقوط الاعتبار بالأربع. انتهى كلام ابن التركمانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وأجاب بعضهم عن هذا التعقّب بأنه إنما يخالفنا إذا أقام أربع ليالٍ مع أيامها التامّة، فما تمّت له الأيام الأربع.

ويمكن أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج في اليوم الثامن من قبل الوقت الذي دخل فيه في اليوم الرابع، فما تمّت له الأيام الأربع، كذا أجاب، ولا يخفى ما فيه (٢).

وقال العلامة ابن قُدامة -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وذكر أحمد حديث جابر وابن عباس -رضي اللَّه عنهم- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدِم لصبح رابعة، فأقام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن، فكان يقصُر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها، قال: فإذا أجمع أن يقيم كما أقام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَصَر، وإذا


(١) "الجوهر النقيّ" ٣/ ١٤٧ - ١٤٩ بهامش "السنن الكبرى" للبيهقيّ.
(٢) راجع: "المرعاة شرح المشكاة" ٤/ ٣٨٨ - ٣٩٠.