للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أجمع على أكثر من ذلك أتمّ، قال الأثرم: وسمعت أبا عبد اللَّه يَذْكُر حديث أنس في الإجماع على الإقامة للمسافر، فقال: هو كلام ليس يفقهه كل أحد، وقوله: أقام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عشرًا يقصر الصلاة، فقال: قَدِمَ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لصبح رابعة وخامسة وسادسة وسابعة، ثم قال: وثامنة يوم التروية، وتاسعة وعاشرة، فإنما وجه حديث أنس -رضي اللَّه عنه- أنه حسب مقام النبيّ بمكة ومنى، وإلا فلا وجه له عندي غير هذا، فهذه أربعة أيام، وصلاة الصبح بها يوم التروية تمام إحدى وعشرين صلاةً يقصر، فهذا يدلّ على أن من أقام إحدى وعشرين صلاةً يقصر، وهي تزيد على أربعة أيام، وهذا صريح في خلاف مَن حدّه أربعة أيام.

قال: وحديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في إقامة تسع عشرة وجهه أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُجْمِع الإقامة، قال أحمد: أقام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة ثماني عشرة زمن الفتح؛ لأنه أراد حُنَيْنًا، ولم يكن تم (١) إجماع المقام، وهذه إقامته التي رواها ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: لم يرد حديث صريح مرفوع يدلّ على ما ذهب إليه الشافعيّة والمالكيّة في تقديرهم مدةّ الإتمام بأربعة أيام، وكذا الحنفية في تقديرهم بخمسة عشر يومًا، وإنما هي آثار عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم-.

قال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذه من مسائل الاجتهاد، ولا حجة في أقوال الصحابة في المسائل التي للاجتهاد فيها مسرحٌ، والحقُّ أن مَن حَطّ رَحْله ببلد، ونوى الإقامة بها أيامًا من دون تردّد، لا يقال له: مسافر، فيُتِمّ الصلاة، ولا يقصر إلا لدليل، ولا دليل ها هنا إلا ما جاء من إقامته -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة أربعة أيام يقصُر الصلاة، والاستدلال به متوقِّف على ثبوت أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- عزم على إقامة أربعة أيام، إلا أن يقال: إن تمام أعمال الحجّ في مكة لا يكون في دون الأربع، فكان كلُّ من يحج عازمًا على ذلك، فيقتصر على هذا المقدار، ويكون الظاهر والأصلُ في حقّ من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام هو التمام، وإلا لزم أن يَقْصُر الصلاة من نوى إقامة سنين متعددة، ولا قائل به.


(١) هكذا النسخة "تمّ" بالتاء، ولعلها "ثَمّ" بالثاء المثلثة، فليُنظر، واللَّه تعالى أعلم.
(٢) "المغني" لابن قُدامة ٢/ ١٣٣ - ١٣٤.