للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والإتمام في حقّه سيّان، يَفعَل أيّهما شاء، إلا أن الأولى به أن لا يُخالف الإمام، فإذا صلّى خلف مقيم اتّبعه من جهة منع المخالفة، لا من جهة التخيير، واللَّه أعلم. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال الإمام أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أجمع أهل العلم على أن المقيم إذا ائتمّ بالمسافر، وسلّم الإمام من ثنتين أن عليه إتمام الصلاة. ثم أخرج بسنده عن عمران بن حصين، قال: غزوت مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وشَهِدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلةً، لا يصلي إلا ركعتين، ويقول: "يا أهل البلد صَلُّوا أربعًا، فإنا قوم سَفْرٌ"، وهذا ضعيف؛ لأن في سنده عليّ بن زيد بن جُدعان، وهو ضعيف، وإنما الصحيح أنه من قول عمر -رضي اللَّه عنه-، فقد أخرجه الإمام مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الموطّأ"، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- صلى للناس بمكة ركعتين، فلما انصرف قال: "يا أهل مكة أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفرٌ"، ثم صلى عمر ركعتين بمنى، ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئًا، وهذا إسناد صحيح، وأخرجه ابن المنذر أيضًا، من رواية الأسود، عن عمر -رضي اللَّه عنه-، وهو أيضًا سند صحيح.

قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: واختلفوا في مسافر أمّ قومًا مقيمين، وأتمّ الصلاة، فقالت طائفةٌ: لا يُجزيهم، هكذا قال سفيان الثوريّ، قال: وقال أصحاب الرأي: إذا صلّى مسافر بمسافر ومقيم أربعًا، فإن صلاة المسافر جائزة، وصلاة المقيم فاسدة؛ لأن صلاة المسافر عندهم تطوّع بالركعتين الأخريين، ومن مذهبهم أن من صلى فرضًا خلف متطوّع، فصلاته فاسدة.

وقال طائفة: إن صلاتهم كلِّهم تامّة، وهذا قول الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- بتصرّف (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن ما ذهب إليه الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق -رحمهم اللَّه تعالى- من صحّة صلاة الجميع هو الحقّ؛ لأنه سبق لنا أن الحقّ جواز الإتمام، وأن اقتداء المفترض بالمتنفّل جائز، كما سبق تحقيقه في شرح حديث معاذ -رضي اللَّه عنه- حيث كان يصلي مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- العشاء، ثم يصلي


(١) "المفهم" ٢/ ٣٣٥ - ٣٣٦.
(٢) "الأوسط" ٤/ ٣٦٥ - ٣٦٦.