السفر في وقت أحدهما جمعًا حقيقيًّا تقديمًا وتأخيرًا مطلقًا؛ أي: سواء كان سائرًا، أم لا، وسواء كان سيرًا مُجِدًّا، أم لا.
وبه قال كثير من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وكثير من التابعين، ومن الفقهاء: الثوريّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، وأشهب، وحكاه ابن قُدامة عن مالك أيضًا.
وقال الزرقانيّ: وإليه ذهب مالك في رواية مشهورة، قال صاحب "المرعاة": وهو مختار المالكية كما في فروعهم.
واختاره الشاه وليّ اللَّه الدهلويّ، حيث قال في "حجة اللَّه البالغة": مِنْ رخص السفر الجمعُ بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والأصل فيه ما أشرنا أن الأوقات الأصلية ثلاثة: الفجر، والظهر، والمغرب، وإنما اشتُقّ العصر من الظهر، والمغرب من العشاء، ولئلا تكون المدة الطويلة فاصلة بين الذكرين، ولئلا يكون النوم على صفة الغفلة، فشُرع لهم جمع التقديم والتأخير، لكنه لم يواظب عليه، ولم يَعِزم عليه، مثل ما فعل في القصر. انتهى (١).
[الثاني]: أنه يَختص الجمع بمن يَجِدّ في السير؛ أي: يُسْرع، قاله الليث، وهو قول مالك في "مدونة مالك"، واستُدِلَّ لهما بما رُوي في "الصحيحين" عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يجمع بين المغرب والعشاء إذا جدَّ به السير، وسيأتي الجواب عنه.
[والثالث]: أنه يختص بما إذا كان سائرًا، لا نازلًا، قاله ابن حبيب من المالكية، واستُدِلّ لذلك بقوله:"إذا كان على ظهر سير".
وأجيب عن ذلك بما وقع من التصريح في حديث معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه- بلفظ:"فأخّر الصلاة يومًا، ثم خرج، فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج، فصلى المغرب والعشاء".
قال الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الأم": قوله: "ثم دخل، ثم خرج" لا يكون إلا وهو نازل، فللمسافر أن يجمع نازلًا ومسافرًا.