وقال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا أوضح دليل في الردّ على من قال: لا يَجمع إلا من جَدّ به السير، وهو قاطع للالتباس.
وقال الباجيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: مقتضى قوله: "ثم دخل، ثم خرج" أنه مقيم غير سائر؛ لأنه إنما يُسْتَعْمَل في الدخول في المنزل والخِبَاء، والخروج منهما، وهو غالب الاستعمال، إلا أن يريد أنه خرج من الطريق إلى الصلاة، ثم دخله للسير، وفيه بُعْدٌ، وكذا حَكَى عياض هذا التأويل عن بعضهم، ثم استبعده، ولا شك في بعده، وكأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر عادته التفرقة في حال الجمع بين ما إذا كان سائرًا، أو نازلًا، ومن ثم قالت الشافعية: ترك الجمع أفضل.
[والرابع]: أن الجمع مكروه، قال ابن العربيّ: إنها رواية المصريين عن مالك.
[والخامس]: أنه مختص بمن له عذر، حُكي ذلك عن الأوزاعيّ.
[والسادس]: أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم، وهو اختيار ابن حزم، وسيأتي الكلام فيه.
[والسابع]: أنه لا يجوز الجمع مطلقًا، إلا بعرفة والمزدلفة، وهو قول الحسن، والنخعيّ، وأبي حنيفة، وصاحبيه.
ووقع عند النوويّ أن الصاحبين خالفا شيخهما، وَرَدَّ عليه السَّرُوجيّ في "شرح الهداية"، وهو أعرف بمذهبه.
وأجاب هؤلاء عما ورد من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جَمْعٌ صوري، وهو أنه أخّر المغرب مثلًا إلى آخر وقتها، وعجّل العشاء في أول وقتها.
وتعقبه الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١) بما حاصله: أن الجمع من الرخص العامة لجميع الناس عامهم وخاصهم، فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقًا من الإتيان بكل صلاة في وقتها؛ لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلًا عن العامة.