للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- للمستحاضة بالجمع الصوري، فهو وارد في شيء يندُر وجوده، على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَيَّدَ ذلك بقوله: "إن قويت" كما تقدم في محلّه، فإن قَدَرت المستحاضة على معرفة أوائل الأوقات وأواخرها، وعلى الاغتسال ثلاث مرات جمعت بين الصلاتين فعلًا صورةً.

ومن الدليل على أن الجمع رخصة قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته، أخرجه مسلم، وهذا يقدح في حمله على الجمع الصوريّ؛ لأن النزول للصلاتين، والخروج إليهما مرة واحدة -وإن كان أسهل من النزول مرتين- لكن لا يخلو ذلك عن حرج ومشقة بسبب عدم معرفة أكثر الناس أوائل أوقات الصلاة وأواخرها، بخلاف الجمع الوقتيّ فهو أيسر وأخفّ من الجمع الفعليّ، وهذا ظاهر.

وأيضًا فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين، وهي نصوص صريحة، لا تحتمل تأويلًا.

قال الشيخ عبد الحيّ اللكنويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١): حَمَل أصحابنا -يعني الحنفية- الأحاديث الواردة في الجمع على الجمع الصوريّ، وقد بسط الطحاويّ الكلام فيه في "شرح معاني الآثار"، لكن لا أدري ماذا يفعل بالروايات التي وردت صريحًا بأن الجمع كان بعد ذهاب الوقت، وهي مروية في "الصحيحين"، و"سنن أبي داود"، وغيرها من الكتب المعتمدة على ما لا يخفى على من نظر فيها؟، فإن حُمل على أن الرواة لم يحصل لهم التمييز، فظنوا قرب خروج الوقت خروج الوقت، فهذا بعيد عن الصحابة الناصِّين على ذلك، وإن اختير ترك تلك الروايات بإبداء الخلل في الإسناد فهو أبعد، وأبعد، مع إخراج الأئمة لها، وشهادتهم بتصحيحها، وإن عورض بالأحاديث التي صرحت بأن الجمع كان بالتأخير إلى آخر الوقت، والتقديم في أول الوقت فهو أعجب، فإن الجمع بينها بحملها على اختلاف الأحوال ممكن، بل هو الظاهر.

وبالجملة فالأمر مشكل، فتأمل لعل اللَّه يحدث بعد ذلك أمرًا. انتهى كلام اللكنويّ.


(١) "التعليق الممجد" ١/ ٥٧٠.