للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بحقّه، وتحرُم أذيّته تحريمًا أشدّ من تحريم أذى مطلق المسلمين. انتهى (١).

(بَوَائِقَهُ") جمع بائقة: وهي الغائلة، والداهية، والفتك، قاله النوويّ (٢)، وقال القرطبيّ: هي الداهية التي توبق صاحبها، أي تُهلكه. انتهى (٣). وقال الفيّوميّ: البائقة: النازلة، وهي الداهية، والشرّ الشديد، وباقت الداهيةُ: إذا نَزَلت، والجمع البوائق. انتهى (٤).

قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: في معنى "لا يدخل الجنة" جوابان يَجريان في كلّ ما أشبه هذا:

[أحدهما]: أنه محمولٌ على من استحلّ الإيذاء، مع علمه بتحريمه، فهذا كافرٌ لا يدخلها أصلًا.

[والثاني]: معناه: جزاؤه أن لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فُتحت أبوابها لهم، بل يؤخّر، ثم قد يُجازَى، وقد يُعفى عنه، فيدخلها أوّلًا، وإنما تأوّلنا هذين التأويلين؛ لأنا قدّمنا أن مذهب أهل الحقّ أن من مات على التوحيد مصرًّا على الكبائر، فهو إلى الله تعالى، إن شاء عفا عنه، فأدخله الجنّة أوّلًا، وإن شاء عاقبه، ثم أدخله الجنة، والله تعالى أعلم (٥).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى ما حاصله: إن من كان مُضرًّا لجاره، كاشفًا لعوراته، حريصًا على إنزال البوائق به كان ذلك منه دليلًا إما على فساد اعتقاد ونفاق، فيكون كافرًا، ولا شكّ في كونه لا يدخل الجنّة، وإما على استهانة بما عظّم الله تعالى من حُرْمة الجار، ومن تأكيد عهد الجوار، فيكون فاسقًا فِسْقًا عظيمًا، ومرتكب كبيرة، يُخاف عليه من الإصرار عليها أن يُختم عليه بالكفر، فإن المعاصي بريد الكفر، فيكون من الصنف الأول، وإن سَلِمَ من ذلك، ومات غير تائبٍ، فأمره إلى الله تعالى، فإن عاقبه بدخول النار لم يدخُل الجنة حين يدخلها من لم يكن كذلك، أو لا يدخل الجنّة الْمُعدَّة لمن قام بحقوق جاره، وعلى هذا القانون ينبغي أن يُحْمَلَ ما في هذا الباب مما قال


(١) "المفهم" ١/ ٢٢٨.
(٢) "شرح مسلم" ٢/ ١٧.
(٣) "المفهم" ١/ ٢٢٨.
(٤) "المصباح المنير" ١/ ٦٦.
(٥) "شرح مسلم" ٢/ ١٧.