خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ) أي: سنة تسع من الهجرة في رجب، وهي آخر غزوة غزاها النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بنفسه، وتسمى غزوة العُسْرَة، وتبوك بوزن رَسُول بلد بالشام، قريب من مَدْيَن، بينها وبين المدينة أربع عشرة مرحلةً، وهي غير منصرفة للعلمية والتأنيث، أو وزن الفعل، صَالَحَ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أهلها على الجزية من غير قتال (١).
(فَكَانَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا) أي: جمع تأخير بأن يؤخر الظهرَ إلى وقت العصر، والمغربَ إلى وقت العشاء.
ويَحْتَمِل أن يكون جمع تقديم إن ارتحل عند الزوال بأن يصلي العصر مع الظهر في أول وقتها، وجمع تأخير إن ارتحل قبل الزوال، وكذا يقال في المغرب والعشاء.
ويدل على هذا حديث معاذ -رضي اللَّه عنه- الذي رواه أبو داود، والترمذيّ، وحسّنه، وصححه ابن حبان، وابن القيّم، ولفظه: أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد أن تزيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا، ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخّر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجّل العشاء، فصلّاها مع المغرب".
زاد في رواية قرّة بن خالد الآتية: "قال: فقلت: ما حمله على ذلك؟ قال: فقال: أراد أن لا يُحرِج أمته".
ولفظ أبي داود، والنسائيّ: عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، أن معاذ بن جبل أخبرهم، أنهم خرجوا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوة تبوك، فكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخّر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل ثم خرج، فصلى المغرب والعشاء جميعًا.
قال في "المنهل": مقتضاه أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان غير سائر؛ لأن الغالب استعمال الدخول إلى الخباء، أو المنزل، وكذا الخروج حال الإقامة، فمعنى قوله: