وقال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الانفتال: هو الانحراف عن جهة القبلة إلى الجهة التي يجلس اليها الإمام بعد انحرافه، كما سبق ذكره، وحكمه: حكم الانصراف بالقيام من محل الصلاة، وقد نصّ عليه إسحاق وغيره.
وقد ذكر البخاريّ، عن أنسٍ، أنه كان ينفتل عن يمينه ويساره، ويَعِيب على من يتوخى الانفتال عن يمينه - يعني: يتحراه ويقصده.
وفي "مسند الإمام أحمد" من رواية أبي الأوبر الحارثيّ، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينفتل عن يمينه وشماله.
وخرّج الإمام أحمد وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينفتل عن يمينه وعن يساره في الصلاة، وفي رواية للإمام أحمد:"ينصرف" بدل: "ينفتل".
وخرّج مسلمٌ في هذا الباب حديث البراء بن عازب، قال: كنا إذا صلينا خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحببنا أن نكون عن يمينه فيقبل علينا بوجهه، وخرّجه من روايةٍ أخرى ليس فيها:"ثم يقبل علينا بوجهه"، ولكن رُوي تفسير هذه اللفظة بالبداءة بالتفاته إلى جهة اليمين بالسلام، خرّجه الإسماعيلي في "حديث مسعرٍ" من جمعه، ولفظه: كان يعجبنا أن نصلي مما يلي يمين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه كان يبدأ بالسلام عن يمينه، وفي رواية أخرى له: أنه كان يبدأ بمن على يمينه، فيسلم عليه.
قال أبو داود: كان أبو عبد اللَّه -يعني: أحمد- ينحرف عن يمينه، وقال ابن منصورٍ: كان أحمد يقعد ناحية اليسرى، ويتساند، قال القاضي أبو يعلى: وهما متفقان؛ لأنه إذا انحرف عن يمينه حصل جلوسه ناحية يساره.
قال: وقال ابن أبي حاتمٍ: سمعت يقول (١): تدبرت الأحاديث التي رُويت في استقبال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الناس بوجهه، فوجدت انحرافه عن يمينه أثبت.
وقال ابن بطة من أصحابنا -يعني الحنبليّة-: يجلس عن يسرة القبلة، ونَقَل حربٌ، عن إسحاق، أنه كان يُخَيِّر في ذلك كالانصراف.
(١) هكذا النسخة، ولعله: "سمعت أبي يقول"، فليُحرّر.