للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وللشافعية وجهان: أحدهما: التخيير كقول إسحاق، والثاني: أن الانفتال عن يمينه أفضل، ثم لهم في كيفيته وجهان:

أحدهما: -وحكوه عن أبي حنيفة-: أنه يدخل يمينه في المحراب ويساره إلى الناس، ويجلس على يمين المحراب.

والثاني: -وهو أصح عند البغوي وغيره-: بالعكس.

واستدلوا له بحديث البراء بن عازب الذي خرَّجه مسلمٌ.

وأما الانصراف: فهو قيام المصلي وذهابه من موضع صلاته إلى حاجته، فيذهب حيث كانت حاجته، سواءٌ كانت من جهة اليمين أو اليسار، ولا يستحب له أن يقصد جهة اليمين مع حاجته إلى غيرها، هذا قول جمهور العلماء، ورُوي عن عليّ، وابن مسعود، وابن عمر، والنخعيّ، وعطاء، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق.

وإنما كان أكثر انصراف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن يساره؛ لأن بيوته كانت من جهة اليسار، وقد خرَّجه الإمام أحمد مصرِّحًا بذلك من رواية ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، أن ابن مسعودٍ حدثه، أن النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ عامةً ما ينصرف من الصَّلاة على يساره إلى الحجرات.

فإن لم يكن له حاجةٌ في جهةٍ من الجهات، فقال الشافعي وكثيرٌ من الحنابلة: انصرافه إلى اليمين أفضل، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعجبه التيمن في شأنه كله.

وحَمَل بعضهم على ذلك حديث السُّدّيّ، قال: سألت أنسًا: كيف أنصرف إذا صليت عن يميني، أو عن يساري؟ فقال: أما أنا فأكثر ما رأيت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ينصرف عن يمينه، خرّجه مسلمٌ.

والسُّدّيّ، هو: إسماعيل بن عبد الرحمن، وقد تكلم فيه غير واحدٍ، ووثقه أحمد وغيره، وعن يحيى فيه روايتان، ولم يخرج له البخاريّ.

قال ابن رجب: وأظنه ذكر ها هنا الأثر الذي علّقه عن أنسٍ ليعلل به هذا الذي رواه عنه السديّ، واللَّه أعلم.

وحَكَى ابن عبد البر، عن الحسن وطائفة من العلماء: أن الانصراف عن اليمين أفضل.