للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الطوفيّ: ظاهر الحديث انتفاء الإيمان عمن لم يتّصف بما ذُكر، وليس مرادًا، بل أريد به المبالغة، كما يقول القائل: إن كنت ابني فأطعني؛ تهييجًا له على الطاعة، لا أنه بانتفاء طاعته ينتفي كونه ابنه. ذكره في "الفتح" (١).

وقال في موضع آخر: المراد به الإيمان الكامل، وخَصَّه "بالله، واليوم الآخر" إشارةً إلى المبدأ والمعاد، أي مَنْ آمن بالله الذي خلقه، وآمن بأنه سيجازيه بعمله، فليفعل الخصال المذكورات (٢). (فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ) بضم الميم (٣)، أي ليسكت، يقال: صَمَت يصمُتُ من باب نصر، صَمْتًا وصُمُوتًا وصُمَاتًا بالضمّ فيهما: أي سَكَتَ، قال الجوهريّ: ويقال: أصمت بمعنى صَمَتَ، والتصميتُ: السكوتُ، والتصميت أيضًا: التسكيتُ.

ومعنى الحديث: أن من يريد التكلّم بشيء ينبغي له أن ينظر، فإن لم يَرَ فيه ضررًا على أحد تكلّم، وإن رأى فيه ذلك، أو شكّ فيه سكت.

وقد استُشْكِل التخيير الذي في قوله: "فليقل خيرًا أو ليصمت"؛ لأن المباح إذا كان في أحد الشقين، لَزِمَ أن يكون مأمورًا به، فيكون واجبًا، أو منهيًّا، فيكون حرامًا.

والجواب عن ذلك: أن صيغة أفعل في قوله: "فليقل"، وفي قوله: "ليسكت" لمطلق الإذن الذي هو أعمّ من المباح وغيره، نعم يلزم من ذلك أن يكون المباح حسنًا؛ لدخوله في الخير.

ومعنى الحديث: أن المرء إذا أراد أن يتكلم، فليفكر قبل كلامه، فإن عَلِم أنه لا يترتب غليه مفسدة، ولا يجرّ إلى محرّم ولا مكروه، فليتكلم، وإن كان مباحًا فالسلامة في السكوت؛ لئلا يَجُرَّ المباح إلى المحرم والمكروه، وفي حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه - الطويل الذي صححه ابن حبان: "وَمَن حَسَبَ كلامَهُ من عمله قَلَّ كلامه إلا فيما يَعْنِيه"، قاله في "الفتح" (٤).


(١) "الفتح" ١٠/ ٦٥٤.
(٢) "فتح" ١٠/ ٥٤٨.
(٣) فما نقله في "الفتح" عن الطوفيّ من قوله: "سمعناها بكسرها، وهو القياس، كضرب يضرب" يحتاج إلى إثبات أهل اللغة له، فليُتأملْ.
(٤) "فتح" ١٠/ ٦٥٤.