وقال النوويّ في "شرحه": معناه أنه إذا أراد أن يتكلم، فإن كان ما يتكلم به خيرًا محقّقًا، يثاب عليه، واجبًا أو مندوبًا، فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير، يثاب عليه، فليمسك عن الكلام، سواءٌ ظهر له أنه حرام أو مكروه، أو مباحٌ مستوي الطرفين، فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورًا بتركه، مندوبًا إلى الإمساك عنه؛ مخافةً من انجراره إلى المحرم أو المكروه، وهذا يقع في العادة كثيرًا أو غالبًا، وقد قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)} [ق: ١٨].
واختلف العلماء في أنه هل يُكتَب جميع ما يَلْفِظ به العبد، وإن كان مباحًا لا ثواب فيه ولا عقاب؛ لعموم الآية، أم لا يُكتب إلا ما فيه جزاء، من ثواب أو عقاب؟ وإلى الثاني ذهب ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره من العلماء، وعلى هذا تكون الآية مخصوصةً، أي ما يلفظ من قول يترتب عليه جزاء، وقد نَدَب الشرع إلى الإمساك عن كثير من المباحات؛ لئلا ينجرّ صاحبها إلى المحرمات أو المكروهات.
وقد أخذ الإمام الشافعيّ رحمه الله تعالى معنى الحديث، فقال: إذا أراد أن يتكلم فليفكر، فإن ظهر له أنه لا ضرر عليه تكلم، وإن ظهر له فيه ضرَرٌ، أو شَكّ فيه أمسك. انتهى كلام النوويّ (١).
(وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِر، فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ) وكذا هو في حديث أبي شُرَيح بلفظ: "فليكرم جاره"، وفي رواية أبي هريرة التالية:"فلا يؤذ جاره"، وفي الرواية الثالثة:"فَلْيُحْسِن إلى جاره".
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: معنى الحديث أن من التزم شرائع الإسلام لَزِمه إكرام جاره وضيفه، وبِرّهما، وكل ذلك تعريفٌ بحقّ الجار، وحَثّ على حفظه، وقد أوصى الله تعالى بالإحسان إليه في كتابه العزيز، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه"، متّفقٌ عليه.
[تنبيه]: قال في "الفتح": ورد تفسير الإكرام والإحسان للجار، وترك أذاه في عِدَّة أحاديث أخرجها الطبرانيّ، من حديث بَهْز بن حَكِيم، عن أبيه، عن