(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي اللَّه عنه- (عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-) أنه (قَالَ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) أي: إذا شَرَع المؤذّن في الإقامة، كما صرّح بذلك محمد بن جُحادة، عن عمرو بن دينار، فيما أخرجه ابن حبّان بلفظ: "إذا أخذ المؤذِّن في الإقامة" (فَلَا صَلَاةَ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ظاهره أنه لا تنعقد صلاة التطوّع في وقت إقامة الفريضة، وبه قال أبو هريرة -رضي اللَّه عنه-، وأهل الظاهر، ورأوا أنه يقطع إذا أُقيمت عليه المكتوبة، ورُوي عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه كان يضرب على صلاة الركعتين بعد الإقامة. انتهى (١).
وقال في "الفتح": قوله: "فلا صلاة": أي: صحيحة، أو كاملة، قال: والتقدير الأول أولى؛ لأنه أقرب إلى نفي الحقيقة، لكن لما لم يقطع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة المصلي، واقتصر على الإنكار دلّ على أن المراد نفي الكمال.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قوله: "لكن. . . إلخ" فيه نظرٌ لا يخفى، ومن أين له القطع بأنه لم يقطع عليه، وأنه أتمّ تلك الصلاة، بعد هذا الإنكار الشديد؟ ولا سيّما وقد ورد بصيغة النهي، ومعلوم أن النهي للفساد، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
قال: ويَحْتَمِل أن يكون النفي بمعنى النهي؛ أي: فلا تصلُّوا حينئذ، ويؤيده ما رواه البخاري في "التاريخ"، والبزار، وغيرهما من رواية محمد بن عمار، عن شريك بن أبي نَمِر، عن أنس -رضي اللَّه عنه-، مرفوعًا، وفيه: "ونهى أن يُصَلَّيَا إذا أقيمت الصلاة".
وورد بصيغة النهي أيضًا فيما رواه أحمد من وجه آخر، عن ابن بُحَينة في قصته الآتية، فقال: "لا تجعلوا هذه الصلاة مثل الظهر، واجعلوا بينهما فصلًا"، والنهي المذكور للتنزيه؛ لما تقدم من كونه لم يقطع صلاته. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: في حمله النهي على التنزيه نظر؛ إذ عدم النقل بقطع الصلاة ليس نصًّا في عدم قطعها، كما أسلفته، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.