للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الإقامة، وصحّ عنه أنه قصد المسجد، فسمع الإقامة، فصلى ركعتي الفجر في بيت حفصة -رضي اللَّه عنها-، ثم دخل المسجد، فصلى مع الإمام.

قال ابن عبد البر وغيره: الحجة عند التنازع السنةُ، فمن أدلى بها، فقد أفلح، وتركُ التنفل عند إقامة الصلاة وتداركها بعد قضاء الفرض أقرب إلى اتباع السنة، ويتأيد ذلك من حيثُ المعنى بأن قوله في الإقامة: "حي على الصلاة" معناه هَلُمُّوا إلى الصلاة؛ أي: التي تقام لها، فأسعد الناس بامتثال هذا الأمر من لم يتشاغل عنه بغيره، واللَّه أعلم (١).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي قاله الحافظ ابن عبد البر وغيره من أن الحجة عند التنازع هي السنة هو التحقيق الصواب نقلًا وعقلًا، فإن اللَّه تعالى قال في محكم كتابه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٩].

ولقد أجاد من قال، وأحسن في المقال [من الوافر]:

إِذا جَالَتْ خُيُولُ النَّصِّ يَوْمًا … تُجَارِي فِي مَيَادِينِ الْكِفَاحِ

غَدَتْ شُبَهُ الْقِيَاسِيِّينَ صَرْعَى … تَطِيرُ رُؤُوسُهُنَّ مَعَ الرِّيَاحِ

والحاصل أن المذهب الصحيح الذي تؤيِّده النصوص الصحيحة الصريحة هو القول بالمنع عن التنفل عند الإقامة للصلاة مطلقًا، سواء كان بركعتي الفجر، أم بغيرهما، وسواءٌ شرع فيه حال الإقامة، أم لا، كان في الصف، أم بعيدًا عنه، في المسجد، أم لا، وأن السنة أن يتدارك ما فاته من النافلة بعد أداء المكتوبة جماعة، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: قوله: (قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ ابْنُ بُحَيْنَةَ، عَنْ أَبِيهِ) أي: بزيادة "عن أبيه".

وقوله: (قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمٌ) صاحب الصحيح بيانًا للخطأ الواقع في السند: (وَقَوْلُهُ: "عَنْ أَبِيهِ" فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَطَأٌ) أي: لأن الحديث لمالك بن عبد اللَّه، لا لأبيه مالك.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- من توهيم القعنبيّ


(١) راجع: "الفتح" ٢/ ٣٧٠ - ٣٧١.